وشححتُما بمنزلتِكما من الشرف في قومكما ، فلست أحجر عليكما الضنّ بما نلتما من ذلك ، ولكنكما بدهتما ۱ محمّداً (صلى الله عليه وآله) بتطلُّب المباهلة له ، وجعلتماها حجازاً وآيةً بينكما وبينه ، وشخصتما من نجران ، وذلك من بالكما ۲ فأسرع محمّد (صلى الله عليه وآله) إلى ما بغيتما منه ، والأنبياءُ إذا أظهرت بأمر لم ترجع إلاّ بقضائه وفعله ، فإذا نكلتُما ، عن ذلك وأذهلتكما مخافة ما تَرَيان ، فالحظّ في النكول لكما ، فالوحا ـ يا إخوتي ـ الوحا ، صالِحا محمّداً (صلى الله عليه وآله) وأرضِياهُ، ولا تُرجئا ذلك ، فإنّكما ـ وأنا معكما ـ بمنزلة قوم يونُس لمَّا غشيهم العذابُ .
قالا : فكنْ ـ يا أبا المثنّى ـ أنتَ الذي تلقى محمّداً (صلى الله عليه وآله) بكفالة ما يبتغيه لدينا ، والتمسْ لنا إليه ابن عمِّه هذا ليكون هو الذي يبرمُ الأمر بيننا وبينه ، فإنّه ذُو الوجه والزعيم عنده ، ولا تُبطئنَّ بما ترجعُ إلينا به .
وانطلق المنذرُ إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال : السلامُ عليك يا رسولَ الله ! أشهدُ أن لا إلهَ إلاّ اللهُ الّذي ابتعثك ، وأنّك وعيسى عَبدانِ للهِ عزّ وجلّ مرسَلانِ . فَأَسْلَمَ ، وبلّغه ما جاءَ له ، فأرسلَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليّاً (عليه السلام) لِمصالحة القوم ، فقالَ عليّ (عليه السلام) : « بأبي أنتَ ، على ما أصالحهم ؟ » . فقال له : « رأيك ـ يا أبا الحسن ـ في ما تبرم معهم رأيي » .
فصار إليهم ، فصالحاه على ألف حُلّة ، وألف دينار خرجاً في كلّ عام يؤدّيان
1.بدهه بأمر : استقبله به ، وعلى هامش ( ح ) و ( ب ) : أي بدأتما . وبادهه : فاجأه ، كما في الصحاح ۶/۲۲۲۶ ، ولسان العرب ۱۳/۴۷۵ . وغيرهما .
2.كذا في بحار الأنوار ، وذكر في بيانه ما نصُّه : من بالكما . في القاموس ] ۳/۳۳۹ [ : البال : الحال ، والخاطر ، والقلب . ثمّ قال : وفي بعض النسخ : من تألّيكما . والتألّي : التقصير ، والحلف . وفي الحديث : «من يتألّى على الله بكذبه» أي من حكم عليه وحلف . قاله ابن الأثير في النهاية ۱/۶۳ ، ومثله في لسان العرب ۱۴/۴۰ .