أباه واُمّه فآمنا به ـ عليه الصلاة والسلام ـ ثمّ ماتا .
فإن قلت: هذا مخالف لكتاب اللّه تعالى والحديث الصحيح؛ أمّا الأوّل فقوله تعالى: «فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَـنُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا»۱
، والحديث الصحيح وهو قوله صلى الله عليه و آله : إنّ أبي وأباك في النار . قلت: أما الحديث ۲ ، فيحتمل أن يكون قبل الإحياء، والجواب عن قولهم «أنّ الإيمان بعد معاينة العذاب لا يقبل» إذا كان ذلك في ذكره، أمّا إذا أنساه اللّه تعالى تلك الحالة ثمّ آمن يقبل؛ ألاترى أنّه تعالى أحيا الذرّيّة يوم الميثاق وركّب فيهم عقلاً وبنية، وأخذ منهم الميثاق ـ كما جاء في التفاسير والأحاديث ـ ، ثمّ أنسانا ذلك ابتلاءً لنا؟ كذلك في حق والدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله يجوز أن يقع مثل هذا. إلى هنا كلامه.
وفي غنية الفتاوي تصنيف الشيخ الإمام الأجل [أبي الحسن عليّ] بن سعيد الرستغفني ۳ عن قول بعض الناس: أنّ آدم عليه السلام لمّا بدت منه تلك الزلّة اسودّ منه جميع جسده، فلمّا اُهبط إلى الأرض اُمر بالصيام والصلاة، فصام وصلّى فأبيضّ جسده، أيصحّ هذا القول؟ قال:
لايجوز في الجملة القول في الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ بشيءٍ يؤدّي إلى العيب والنقص فيهم، وقد اُمرنا بحفظ اللسان عنهم؛ لأنّ مرتبة الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ أرفع، وهم على اللّه تعالى أكرم من سائر الخلق، وقد قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا»، فلمّا اُمرنا أن لا نذكر الصحابة رضي الله عنهم بشيءٍ يرجع ذلك إلى عيب ونقص فيهم، فلئن نمسك ونكفّ عن الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ أولى وأحق ـ إلى هنا كلامه ـ .
وإذا تقرّر هذا فحقٌّ [على] المسلم أن يمسك لسانه عمّا يخلّ بشرف نسب نبينا ـ عليه الصلاة والسلام ـ بوجه من الوجوه، ولا خفاء في أنّ في إثبات الشرك في أبويه صلى الله عليه و آله إخلال ظاهر / 14 / بشرف نسبه الطاهر.
1.سورة غافر ، الآية ۸۵.
2.في المصدر : فأما الجواب في إيمان أبوي النبوي صلى الله عليه و آله بعد الموت في غير القرطبي أيضاً في عدة من الكتب ، وحكاه أبو الليث السمرقندي في تفسير الإيمان فيحتمل ... ص ۱۵۷ـ۱۵۸ .
3.هذه النسبة إلى رستغفن من قرى سمرقند، منها أبو الحسن عليّ بن سعيد الرستغفني، عالم فقيه من كبار أصحاب الماتريدي، كان حيّاً قبل سنة ۳۳۳ ه . راجع : الأنساب للسمعاني، ج ۳، ص ۶۲؛ معجم المؤلفين، ج ۷، ص ۹۹؛ كشف الظنون، ص ۱۲۲۳.