منتخبات نسمات الأسحار - صفحه 235

[ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً]

[ومن] كتاب المسامرات للعارف الرباني سيدي محيي الدين بن عربي ـ قدس اللّه روحه ـ قال: حدثنا محمّد بن قاسم بن عبد الرحمن بن عبد الكريم قال: قرأت على عمر بن بن عبد الحميد بمكّة أنّ عبد اللّه بن عبّاس رضى الله عنه قال في قوله تعالى «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا»۱ . قال: مرض الحسن والحسين ـ رضي اللّه عنهما ـ وهما صبيّان، فعادهما رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومعه أبو بكر وعمر فقال: يا أبا الحسنين، لو قد نذرت عن ابنيك نذراً إنِ اللّه عافاهما! قال: أصوم ثلاثة أيام إنِ اللّه عافاهما شكراً للّه . وقالت السيدة فاطمة ـ رضي اللّه عنها ـ : وأنا أيضاً أصوم ثلاثة أيام.
فألبسهما اللّه العافية ، فأصبحوا صياماً وليس عندهم طعام، فانطلق عليّ رضى الله عنهإلى جارٍ له يهودي يقال له شمعون يعالج الصوف ، فقال: هل لك أن تعطيني جِزّةً من الصوف تغزلها لك ابنة محمّد بثلاثة آصُعٍ من شعير؟ قال: نعم . فأعطاه فجاء بالصوف والشعير، فأخبر للسيدة فاطمة فقالت: سمعاً وطاعة. ثمّ غزلت ثلث الصوف وأخذت صاعاً من الشعير فطحنته وعجنته وخبزته خمسة أقراص ، لكل واحد قرص، أي وللخادم قرص، وصلّى عليٌّ مع النبيّ صلى الله عليه و آله المغرب ثمّ أتى منزله فوضع الخوان فجلسوا فأوّل لقمةٍ كسرها سيدنا عليّ رضى الله عنه إذا مسكين واقف على الباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد ، أنا من مساكين المسلمين، أطعموني ممّا تأكلون أطعمكم اللّه من موائد الجنّة، فوضع عليٌّ اللقمة من يده ثمّ قال رجزاً:

أفاطم ذات المجد واليقينيا بنت خير الناس أجمعين
أما ترى ذا البائس المسكينجاء إلى الباب له حنين
كلّ امرئٍ بكسبه رهين
فقالت فاطمة رضي اللّه عنها :

أمرك سمع يا ابن عم وطاعةما لي من لؤم ولا ضراعة
غديت باللب وبالبراعةأرجو إذا أنفقت من مجاعة
أن ألحق الجنان والجماعة / ۳۹ /
قال: فعمدتْ إلى الخوان، ودفعت إلى المسكين ما فيه، وباتوا جياعاً وأصبحوا صياماً لم يذوقوا إلّا الماء القراح، ثمّ عمدتْ إلى الثلث الثاني من الصوف فغزلته ثمّ أخذتْ صاعاً فطحنتْه وعجنتْه وخبزت منه خمسة أقراص، وصلّى سيّدنا عليّ رضى الله عنهالمغرب مع النبيّ صلى الله عليه و آله ثمّ أتى منزله، فلمّا وضعت الخوان وجلس فأوّلُ لقمة كسرها عليّ ـ كرّم اللّه وجهه ـ إذا يتيم من أيتام المسلمين قد وقف على الباب وقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد، أنا يتيم من أيتام المسلمين، أطعموني ممّا تأكلون أطعمكم اللّه على موائد الجنّة، فوضع اللقمة من يده وقال:

أفاطم بنت السيّد الكريمقد جاءنا اللّه بذا اليتيم
مَن يطلب اليوم رضى الرحيمموعده في جنة النعيم
فقالت:

فسوف اُعطيه ولا اُباليواُؤثر اللّه على عيالي
أمسوا جياعاً وهم أمثاليأصغرهم يقتِّل قتالي!
ثمّ عمدتْ إلى جميع ما كان في الخوان فأعطته اليتيم، وباتوا جياعاً لم يذوقوا إلّا الماء القراح، وأصبحوا صياماً، وعمدَت السيدة فاطمة ـ رضي اللّه عنها ـ إلى باقي الصوف فغزلته وطحنت ثلث الصاع الباقي، وعجنته وخبزته خمسة أقراص، وصلّى سيّدنا عليّ رضى الله عنهالمغرب مع النبيّ صلى الله عليه و آله ثمّ أتى منزله فقرّبت إليه الخوان ثمّ جلس، فأوّلُ لقمة كسرها إذا أسير من اُسارى المسلمين بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد، إنّ الكفار! أسرونا وقيّدونا وشدّونا ولم يطعمونا! فوضع عليٌّ اللقمة من يده وقال:

أفاطمة بنت النبيّ محمّدبنت نبيّ سيّد ومسوّد
هذا أسير جاء ليس يهتديمكبَّل في قيده المقيّد
يشكو إلينا الجوع والتشرّدمن يطعم اليوم يجده في غد
عند العليّ الواحد الموحّدما يزرع الزارع يوماً يحصد
فقالت :
لم يبق ممّا جاء غير صاعقد دبرت كفّي مع الذراع
وابناي واللّه [لقد] أجاعايا ربّ تهلكهما ضياعا
ثمّ عمدتْ إلى ما كان على الخوان فأعطته إياه، وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شيءٌ، وأقبل عليّ والحسن والحسين ـ رضي اللّه عنهما ـ على النبيّ صلى الله عليه و آله وهما يرتعشان كالفرخين من شدّة الجوع، فلمّا أبصرهما رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: أشدّ ما يسوؤني ما أدرككم، انطلقوا إلى ابنتي فاطمة، فانطلقوا إليها وهي في محرابها وقد لصق بطنها بظهرها من شدّة الجوع وغارت عيناها، فلمّا رآها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ضمّها إليه وقال: واغوثاه باللّه ! فهبط جبريل عليه السلام وقال: يا محمّد، خذ هنيئاً في أهل بيتك. قال: وما آخذ يا جبريل؟ قال: «وَ يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَ يَتِيمًا وَ أَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَ لَا شُكُورًا»۲ . انتهى كلام الشيخ الأكبر قدّس اللّه روحه ، وجعل في كلّ آن من الرحمة والرضوان غَبوقه وصَبوحه .

1.سورة الإنسان، الآية ۷.

2.وللحديث مصادر عديدة ، فلاحظ تفسير فرات الكوفي ومناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان الكوفي وما بهامشهما من تعليق.

صفحه از 302