كتاب عليّ (ع) - صفحه 144

۶.حدّثنا محمّد بن الحسن قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال :قال أمير المؤمنين عليه السلام ، إنّ اللّه ـ تبارك وتعالى ـ لمّا أحبّ أن يخلق خلقا بيده ، وذلك بعد ما مضى من الجن والنسناس في الأرض سبعة آلاف سنة ـ قال : ـ ولمّا كان من شأن اللّه أن يخلق آدم عليه السلام لِلذي أراد من التدبير والتقدير لما هو مكونه في السماوات والأرض وعلمه لما أراد من ذلك كلّه كشط من أطباق السماوات ، ثمّ قال للملائكة : انظروا إلى أهل الأرض من خلقي من الجن والنسناس ، فلما رأوا ما يعملون فيها من المعاصي وسفك الدماء والفساد في الأرض بغير الحق عظم ذلك عليهم وغضبوا للّه وأسفوا على الأرض ولم يملكوا غضبهم أن قالوا : يا رب ، أنت العزيز القادر الجبار القاهر العظيم الشأن ، وهذا خلقك الضعيف الذليل في أرضك ، يتقلبون في قبضتك ، ويعيشون برزقك ، ويستمتعون بعافيتك ، وهم يعصونك بمثل هذه الذنوب العظام ، لا تأسف ولا تغضب ولا تنتقم لنفسك لما تسمع منهم وترى ، وقد عظم ذلك علينا وأكبرناه فيك .
فلمّا سمع اللّه عز و جل ذلك من الملائكة قال : إنّي جاعل في الأرض خليفة لي عليهم ، فيكون حجة لي عليهم في أرضي على خلقي ، فقالت الملائكة : سبحانك «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسْفِكُ الدِّمَآءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ» وقالوا : فاجعله منا ؛ فإنّا لا نفسد في الأرض ولا نسفك الدماء . قال جل جلاله : يا ملائكتي «إِنِّى أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ»۱ إنّي اُريد أن أخلق خلقا بيدي ، أجعل ذريته أنبياء مرسلين وعبادا صالحين وأئمةً مهتدين ، أجعلهم خلفائي على خلقي في أرضي ، ينهونهم عن المعاصي ، وينذرونهم عذابي ، ويهدونهم إلى طاعتي ، ويسلكون بهم طريق سبيلي ، وأجعلهم حجةً لي عذرا أو نذرا ، واُبين النسناس من أرضي ، فاُطهّرها منهم ، وأنقل مردة الجن العصاة عن بريتي وخلقي وخيرتي ، وأسكنهم في الهواء وفي أقطار الأرض ، لا يجاورون نسل خلقي ، وأجعل بين الجن وبين خلقي حجابا ، ولا يرى نسل خلقي الجن ، ولا يؤانسونهم ولا يخالطونهم ولا يجالسونهم ، فمن عصاني من نسل خلقي الذين اصطفيتهم لنفسي أسكنتهم مساكن العصاة وأوردتهم مواردهم ولا اُبالي . فقالت الملائكة : يا ربنا ، افعل ما شئت ؛ «لَا عِلْمَ لَنَآ إِلَا مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ» . ۲
فقال اللّه ـ جل جلاله ـ للملائكة : «إِنِّى خَــلِق بَشَرًا مِّن صَلْصَـلٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُواْ لَهُ سَـجِدِينَ» ، ۳ وكان ذلك من أمر اللّه عز و جل تقدَّم إلى الملائكة في آدم عليه السلام من قبل أن يخلقه ؛ إحتجاجا منه عليهم ـ قال : ـ فاغترف ـ تبارك وتعالى ـ غرفةً من الماء العذب الفرات فصلصلها فجمدت ، ثمّ قال لها : منك أخلق النبيين والمرسلين وعبادي الصالحين والأئمّة المهتدين الدعاة إلى الجنة وأتباعهم إلى يوم القيامة ، ولا اُبالي ، ولا اُسأل عما أفعل وهم يسألون ؛ يعني بذلك خلقه . إنّه اغترف غرفةً من الماء المالح الاُجاج فصلصلها فجمدت ، ثمّ قال لها : منك أخلق الجبّارين والفراعنة والعتاة وإخوان الشياطين والدعاة إلى النار إلى يوم القيامة وأتباعهم ولا اُبالي ، ولا اُسأل عما أفعل وهم يسألون . قال : وشرط في ذلك البداء ، ولم يشرط في أصحاب اليمين البداء ، ثمّ خلط الماءين فصلصلهما ، ثمّ ألقاهما قدّام عرشه وهما سلالة من طين ، ثمّ أمر الملائكة الأربعة : الشمال والدبور والصبا والجنوب ، أن جولوا على هذه الثلاثة [السلالة ]وأبرؤوها وأنسموها ثمّ جزؤوها وفصلوها وأجروا إليها الطبائع الأربعة : الريح ، والمرّة ، والدم ، والبلغم .
قال : فجالت الملائكة عليها وهي الشمال والصبا والجنوب والدبور ، فأجروا فيها الطبائع الأربعة .
قال : والريح في الطبائع الأربعة في البدن من ناحية الشمال .
قال : والبلغم في الطبائع الأربعة في البدن من ناحية الصبا .
قال : والمرّة في الطبائع الأربعة في البدن من ناحية الدبور .
قال : والدم في الطبائع الأربعة في البدن من ناحية الجنوب .
قال : فاستقلّت النسمة وكمل البدن .
قال : فلزمه من ناحية الريح حبّ الحياة وطولُ الأمل والحرص ، ولزمه من ناحية البلغم حب الطعام والشراب واللين والرفق ، ولزمه من ناحية المرّة الغضب والسفه والشيطنة والتجبّر والتمرّد والعجلة ، ولزمه من ناحية الدم حب النساء واللذّات وركوب المحارم والشهوات .
قال عمرو : أخبرني جابر أنّ أبا جعفر عليه السلام قال : وجدناه في كتاب من كتب علي عليه السلام . ۴

1.سورة البقرة ، الآية ۳۰ .

2.سورة البقرة ، الآية ۳۲ .

3.سورة الحجر ، الآية ۲۸ ـ ۲۹ .

4.علل الشرائع ، ج ۱ ، ص ۱۰۴ ـ ۱۰۶ ، ح ۱ ؛ بحار الأنوار ، ج ۵۸ ، ص ۲۹۸ ـ ۳۰۰ ، ح ۷ .

صفحه از 154