كتاب عليّ (ع) - صفحه 40

۲۴.حدّثنا محمّد بن علي بن حاتم النوفلي المعروف بالكرماني ، قال : حدّثنا أبو العباس أحمد بن عيسى الوشاء البغدادي ، قال : حدّثنا أحمد بن طاهر (القمي) ، قال : حدّثنا محمّد بن بحر بن سهل الشيباني ، قال : أخبرنا علي بن الحارث ، عن سعيد بن منصور الجواشني ، قال : أخبرنا أحمد بن علي البديلي ، قال : أخبرنا أبي ، عن سدير الصيرفي ، قال :
دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبو بصير وأبان بن تغلب على مولانا أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام ، فرأيناه جالسا على التراب ، وعليه مسح خيبري مطوق بلا جيب ، مقصَّر الكمّين ، وهو يبكي بكاء الواله الثكلى ، ذات الكبد الحري ، قد نال الحزن من وجنتيه ، وشاع التغيير في عارضيه ، وأبلى الدموج محجريه وهو يقول :
سيدي ، غيبتك نفت رقادي ، وضيّقت عليَّ مهادي ، وابتزّت منّي راحة فؤادي .
سيدي ، غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد ، وفقد الواحد بعد الواحد يُفني الجمع والعدد ، فما أحسّ بدمعةٍ ترقى من عيني ، وأنين يفتر من صدري عن دوارج الرزايا وسوالف البلايا ، إلّا مثل بعيني عن غوابر أعظمها وأفظعها ، وبواقي أشدها وأنكرها ، ونوائب مخلوطة بغضبك ، ونوازل معجونة بسخطك .
قال سدير : فاستطارت عقولنا ولها ، وتصدّعت قلوبنا جزعا من ذلك الخطب الهائل ، والحادث الغائل ، وظننا أنه سمة لمكروهة قارعة ، أو حلّت به من الدهر بائقة ، فقلنا : لا أبكى اللّه ـ يا ابن خير الورى ـ عينيك! من أيّة حادثة تستنزف دمعتك وتستمطر عبرتك؟! وأيّة حالة حتمت عليك هذا المأتم؟! قال : فزفر الصادق عليه السلام زفرةً انتفخ منها جوفه ، واشتد عنها خوفه ، و قال : ويلكم! نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم ، وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة الذي خصّ اللّه به محمّدا والأئمّة من بعده عليهم السلام ، وتأمّلت منه مولد غائبنا وغيبته و إبطاءه وطول عمره ، وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان ، وتولُّد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته وارتداد أكثرهم عن دينهم ، وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم التي قال اللّه تقدس ذكره : «وَ كُلَّ إِنسَـنٍ أَلْزَمْنَـهُ طَئِرَهُ فِى عُنُقِهِ»۱ يعني الولاية ، فأخذتني الرقة ، واستولت عليَّ الأحزان . ۲

1.سورة الإسراء ، الآية ۱۳ .

2.كمال الدين و تمام النعمة ، ص ۳۵۲ ، ح۵۰ ؛ بحار الأنوار ، ج۵۱ ، ص ۲۱۹ ، ح۹ .

صفحه از 154