الرسالة الحقوقية - صفحه 164

الباب الثالث [رسالة امام زين العابدين] في الحقوق

۰.قال ابن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه : روي إسماعيل بن الفضل ، عن ثابت بن دينار ، عن سيد العابدين [علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب] عليه السلام قال :حق اللّه الأكبر عليك : أن تعبده ولا تشرك به شيئا ، فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة .
وحق نفسك عليك : أن تستعملها بطاعة اللّه عز و جل .
وحق اللسان : إكرامه عن الخنا ، ۱ وتعويده الخير ، وترك الفضول الّتي لا فائدة لها ، والبر بالناس ، وحسن القول فيهم .
وحق السمع : تنزيهه عن سماع الغيبة ، وسماع ما لا يحل سماعه .
وحق البصر : أن تغضّه عمّا لا يحل لك ، وتعتبر بالنظر به .
وحق يدك : أن لا تبسطها إلى ما لا يحلّ لك .
وحق رجليك : أن لا تمشي بهما إلى ما لا يحل لك ، فبهما تقف على الصراط ، فانظر أن لا تزلّا بك فتردى في النار .
وحق بطنك : أن لا تجعله وعاءً للحرام ، ولا تزيد على الشبع .
وحق فرجك : أن تحصنه عن الزنا ، وتحفظه من أن ينظر إليه .
وحق الصلاة : أن تعلم أنّها وفادة إلى اللّه ] عز و جل[ ، وأنك فيها قائم بين يديه ، ۲ فإذا علمت ذلك قمت مقام الذليل الحقير الراغب الراجي الخائف المستكين المعظِّم لمن كان بين يديه بالسكون والوقار ، وتُقْبِل عليها بقلبك ، وتقيمها بحدودها وحقوقها .
وحق الحج : أن تعلم أنّه وفادة إلى ربك ، وفرار إليه من ذنوبك ، وفيه قبول توبتك ، وقضاء الفرض الذي أوجبه اللّه [تعالى ]عليك .
وحق الصوم : أن تعلم أنّه حجاب ضربه اللّه ] عز و جل[ على لسانك وسمعك وبصرك وبطنك وفرجك ليسترك به من النار ، فإن تركت الصوم خرقت ستر اللّه عليك .
وحق الصدقة : أن تعلم أنها ذخرك عند ربك ، ووديعتك الّتي لا تحتاج إلى الإشهاد عليها ، وكنت لما استودعت ۳ سرّا أوثق منك بما تستودعه علانية ، وتعلم أنها تدفع البلايا والأسقام عنك ۴ في الدنيا ، وتدفع عنك النار في الآخرة .
وحق الهدي : أن تريد به اللّه ] عز و جل[ ولا تريد به خلقه ، ولا تريد به إلّا التعرض لرحمة اللّه ونجاة روحك يوم تلقاه .
وحق السلطان : أن تعلم أنك جُعلت له فتنة وأنّه مبتلى بك بما جعله اللّه ] عز و جل[ له عليك من السلطان ، وأن عليك أن لا تتعرض لسخطه فتلقى بيدك إلى المهلكة ۵ ، وتكون شريكا له فيما أتى ۶ إليك من سوء .
وحق سائسك بالعلم : التعظيم له ، والتوقير لمجلسه ، وحسن الاستماع إليه ، والإقبال عليه ، وأن لا ترفع عليه صوتك ، ولا تجيب أحدا يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يجيب ، ولا تحدث في مجلسه أحدا ، ولا تغتاب عنده أحدا ، وأن تدفع عنه إذا ذُكِر عندك بسوء ، وأن تستر عيوبه ، وتُظهر مناقبه ، ولا تجالس له عدوا ، ولا تعادي له وليا ، فإذا فعلت ذلك شهد ۷ لك ملائكة اللّه [عزّ وجلّ] بأن قصد به ۸ وتعلَّمت علمه للّه [جلَّ و عزَّ اسمه] لا للناس . وأما حق سائسك بالملك فأن تطيعه ولا تعصيه إلّا فيما يسخط اللّه ؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . وأما حق رعيتك من سلطان ۹
فأن تعلم أنهم صاروا رعيتك لضعفهم وقوّتك ، فتجب أن تعدل فيهم وتكون [لهم ]كالوالد الرحيم ، ويغفر لهم جهلهم ، ولا تعاهلهم ۱۰ بالعقوبة ، وتشكر اللّه على ما آتاك من القوة عليهم . وأما حق رعيتك بالعلم فأن تعلم أن اللّه إنما جعلك قيِّما لهم بما آتاك من العلم ، وفتح لك من خزائنه ، فإن أحسبت ۱۱ في تعليم الناس ولم تخرق بهم ولم تضجر عليهم زادك اللّه من فضله ، و إن أنت منعت الناس علمك أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك ، كان حقا على اللّه أن يسلبك العلم وبهاءه ، ويسقط من القلوب محلّك .
وأما حق الزوجة : [فأن تعلم] أنّ اللّه جعلها لك سكنا واُنْسا ، فتعلم أن ذلك نعمة من اللّه عز و جلعليك فتكرمها وترفق بها و إن كان حقك عليها أوجب ؛ فإنَّ لها عليك أن ترحمها لأنّها أسيرك ، وتطعمها وتكسوها ، و إذا جهلتْ عفوت عنها . وأما حق المملوك ۱۲ فأنْ تعلم أنّه خلْق ربك وابن أبيك واُمّك ، ولحمك ودمك ، لم تملكه لأنّك صنعته دون اللّه ، ولا خلقت شيئا من جوارحه ، ولا أخرجت له رزقا ، ولكن اللّه تعالى كفاك ذلك ، ثمّ سخّره لك ، وائتمنك عليه ، واستودعك إيّاه ؛ لتُحْفَظ لك ما يأتيك من خير اللّه ۱۳ ، فأحسنْ إليه كما أحسن اللّه إليك ، و إن كرهته استبدلت به ، ولم تعذِّب خلق اللّه ، ولا قوة إلّا باللّه .
و [أمّا] حق اُمّك : أن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحتمل أحدٌ أحدا ، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحدٌ أحدا ، وَوَقَتْكَ بجميع جوارحها ، ولم تبال أن تجوع وتطعمك ، وتعطش وتسقيك ، وتعري وتكسوك ، وتضحى وتظلّك ، وتهجر النوم لأجلك ، ووَقَتْكَ الحرَّ والبرد لتكون لها ؛ فإنّك لا تطيق شكرها إلّا بعون اللّه وتوفيقه . وأما حقّ أبيك فأن تعلم أنّه أصلك وأنّك لولاه لم تكن فيمهما رأيت من نفسك ما يعجبك ، فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه ، فاحمد اللّه واشكره على قدر ذلك ، ولا قوة إلّا باللّه .
وأما حق ولدك : فأن تعلم أنّه منك ، ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه ، وأنك مسؤول عما وُليتَه من حسن الأدب [والدلالة على ربّه عز و جل ، والمعونة على طاعته ، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مثاب على الاحسان] إليه ، معاقب على الإساءة إليه . وأما حق أخيك فأن تعلم أنّه يدك وعزّك وقوّتك ، فلا تتخذه سلاحا على معصية اللّه ولا عدّة الظلم لخلق اللّه ، ولا تدع نصرته على عدوّه والنصيحة له ، فإن أطاع اللّه [تعالى] و إلّا فليكن اللّه أكرم عليك منه ، ولا قوة إلّا باللّه .
وأما حقّ مولاك المنعم عليك : فأن تعلم أنّه أنفق فيك ماله ، وأخرجك من ذل الرقّ ووحشته إلى عزّ الحريّة واُنسها ، فأطلقك من أسر الملكة ، وفكَّ عنك قيد العبوديّة ، وأخرجك من السجن ، وملَّكك نفسك ، وفرَّغك لعبادة ربّك ، وتعلم أنّه أولى الخلق بك في حياتك وموتك ، وتعلم أن نُصْرَتَه واجبة عليك ۱۴ بنفسك وما احتاج إليك منك ، ولا قوَّة إلّا باللّه .
وأما حق مولاك الذي أنعمت عليه : فأن تعلم أن اللّه جعل عتقك له وسيلة إليه ، وحجابا لك من النار ، وأن ثوابك في العاجل ميراثه إذا لم يكن له رحم ؛ مكافأةً بما ۱۵ أنفقت من مالك ، وفي الآجل الجنة .
وأما حق ذي المعروف عليك : فأن تشكره وتذكر معروفه ، وتكسبه المقالة الحسنة ، وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين اللّه ] عز و جل[ ، فإذا فعلت ذلك كنت شكرته سرّا وعلانية ، ثمّ إن قدرت على مكافأته يوما كافأته .
وأما حق المؤذِّن : أن تعلم أنّه مذكِّر لك ربّك ] عز و جل[ و داعٍ لك إلى حظّك ، وعونك على قضاء فرض اللّه عليك ، فاشكر على ذلك شكر المحسن إليك . ۱۶
وأما حق إمامك في صلاتك : فأن تعلم أنّه تقلد السفارة فيما بينك وبين ربّك . وتكلّم عنك ولم يتكلم عنه ، ۱۷ ودعا لك ولم تدع له ، وكفاك هول المقام بين يدي اللّه ] عز و جل[ ، فإن كان نقص كان به ۱۸ دونك ، و إن كان تماما كنت شريكه ، ولم يكن له عليك فضل ، فتوقى ۱۹ نفسك بنفسه ، وصلاتك لصلاته ، فاشكر ۲۰ له على قدر ذلك .
وأما حق جليسك : فأن تلين حامك ۲۱ وتنصفه في مجازاة اللفظ ، ولا تقوم [من مجلسك إلّا بإذنه ، ومَن تجلس إليه يجوز له القيام عنك بغير إذنك ، وتنسى زلّاته ، وتحفظ خيراته] ، ولا تسمعه إلّا خيرا .
وأما حق جارك : فحفظُه غائبا ، و إكرامُه شاهدا ، ونصرتُه إذا كان مظلوما ، ولا تتبع له عورة ، فإن علمت عليه شرّا ۲۲ سترته عليه ، و إن علمت أنّه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه ، ولا تُسلمه عند شديدة ، وتقيل عثرته ، وتغفر ذنبه ، وتعاشره معاشرةً كريمة ، ولا قوّة إلّا باللّه .
وأما حق الصاحب : فأن تصحبه بالتفضّل والإنصاف ، وتُكرمه كما يكرمك ، ولا تدعه يسبقك إلى مكرمة ، فإن سبقك ۲۳ كافأته ، وتَوَدَّه كما يودك ، وتزجره عما يهمُّ به من معصية ، وكن عليه رحمة ، ولا تكن عليه عذابا ، ولا قوة إلّا باللّه .
وأما حق الشريك : فإن غاب كفيته ، و إن حضر رعيته ، ولا تحكم بدون حكمه ، ولا تعمل برأيك دون مناظرته ، وتحفظ عليه ماله ، ولا تخنه فيما عزّ وهان من أمر ؛ فإنَّ يد اللّه [تبارك وتعالى ]على الشريكين ما لم يتخاونا ، ولا قوة إلّا باللّه .
وأما حق مالك : فأن لا تأخذه إلّا من حلِّه ، ولا تنفقه إلّا في وجهه ، ولا تؤثر على نفسك من لا يحمدك ، فاعمل فيه بطاعة ربك ، ولا تبخل به فتبق ۲۴ بالحسرة والندامة مع التبعة ، ولا قوة إلّا باللّه .
وأما حق غريمك الذي يطالبك : فإن كنت موسرا أعطيته ، و إن كنت معسرا أرضيته بحسن القول ، ورددته عن نفسك ردّا لطيفا .
وأما حق الخليط : أن [لا] تغرّه ، ولا تغشّه ، ولا تخدعه ، ويبقي اللّه ۲۵ في أمره .
وحق الخصم المدّعي عليك : فإن كان ما ادعى ۲۶ عليك حقا كنت شاهدا على نفسك ، ولم تظلمه ، وأوفيته حقّه ؛ و إن كان ما يدّعي فيه ۲۷ باطلاً رفقت به ، ولم تأت في أمره بغير الرفق ، ولم تسخط ربك في أمره ، ولا قوَّة إلّا باللّه .
وأما حق خصمك الذي تدّعي عليه : إن كنت محقّا في دعواك أجملت مقاولته ، ولم تجحد حقه ؛ و إن كنت مبطلاً في دعواك اتقيت اللّه ، وتُبتَ إليه ، وتركت الدعوى .
وأما حق المستشير : إن علمت له رأيا حسنا أشرف ۲۸ عليه ، و إن لم تعلم له أرشدته إلى من يعلم .
وحق المشير عليك : أن لا تتهمه فيما لا يوافقك من رأيه ، فإن وافقك حمدت اللّه .
وحق المستنصح : أن تؤدي إليه النصيحة ، وليكن مذهبك الرحمة له والرفق به .
وحق الناصح : أن تُلين له جناحك ، وتُصغي إليه بسمعك ، فإن أتى بالصواب حمدت اللّه ] عز و جل[ ، و إن لم يوافق رحمته ولم تتّهمه ، و إن علمت أنّه أخطأ لم تؤاخذه ۲۹ بذلك إلّا أن يكون مستحقا للتهمة ، فلا تعبأ بشيء من أمره على حال ، ولا قوَّة إلّا باللّه .
وحق الكبير : توقيره لسنّه ، و إجلاله لتقدمه في الإسلام قبلك ، وتركُ مقابلته عند الخصام ، ولا تسبقه إلى طريق ، ولا تتقدمه ، ولا تستجهله ، و إن جهل عليك احتملته وأكرمته ؛ لِحقِّ الإسلام و ۳۰ حرمته .
وحق الصغير : رحمته في تعليمه ، والعفو عنه والستر عليه ، والرفق به والمعونة له .
وحق السائل : إعطاؤه على قدر حاجته .
وحق المسؤول : إن أعطى فاقبل منه بالشكر والمعرفة بفضله ، و إن منع فاقبل عذره .
وحق مَن سرّك باللّه ۳۱ : أن تحمد اللّه [تعالى] أوّلاً ثمّ تشكره .
وحق من ساءك : أن تعفو عنه ، فإن علمت أن العفو يضر انتصرت ، قال اللّه : «وَ لَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَظُـلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ»۳۲
.
وحق أهل ملتك : إضمار السلامة لهم والرحمة بهم ، والرفق بمسيئهم ، وتألفهم واستصلاحهم ، وشكر محسنهم ، وكف الأذى عنهم ، وتحب لهم ما تحب لنفسك ، وتكره لهم ما تكره لنفسك ، وأن يكون شيوخهم بمنزلة أبيك ، وشبّانهم بمنزلة إخوتك ، وعجائزهم بمنزلة اُمّك ، والصغار بمنزلة أولادك .
وحق أهل ۳۳ الذمة أن تقبل منهم ما قبل اللّه ] عز و جل[ منهم ، ولا تظلمهم ما وفوا للّه ] عز و جل[بعهده . ۳۴

1.الخنا : الفحش في الكلام .

2.في المصدر : وأنت فيها قائم بين يدي اللّه عز و جل .

3.في المصدر : تستودعه .

4.في المصدر: تدفع عنك البلايا والأسقام.

5.في المصدر : التهلكه .

6.في المصدر: يأتي .

7.في المصدر : شهدت .

8.في المصدر : بأنك قصدته .

9.في المصدر : بالسلطان .

10.في المصدر : ولا تعاجلهم .

11.في المصدر : أحسنت .

12.في المصدر : مملوكك .

13.في المصدر : ليحفظ لك ما تأتيه من خير إليه .

14.في المصدر : وأن نصرته عليك واجبة .

15.في المصدر : لما .

16.في المصدر : شكرك للمحسن إليك .

17.في المصدر : وتكلم ولم تتكلم عنه .

18.في المصدر: «عليه».

19.في المصدر : فوقى .

20.في المصدر : وصلاتك بصلاته ، فتشكر ... .

21.في المصدر : تلين له جانبك .

22.في المصدر : سوءا .

23.في المصدر : يسبق إلى مكرمة ، فإن سبق .

24.في المصدر : به بطاعة ربك ، ولا تبخل به فتبوء .

25.في المصدر : وتتقي اللّه تبارك وتعالى.

26.في المصدر : يدّعي .

27.المصدر : ـ فيه .

28.في المصدر : فإن علمت أن له رأيا حسنا أشرت .

29.في المصدر : وعلمت أنّه أخطأ ولم تؤاخذه .

30.في المصدر : ـ و .

31.في المصدر : للّه تعالى .

32.سورة الشورى ، الآية ۴۱ .

33.في المصدر : وحق الذمّة .

34.كتاب من لا يحضره الفقيه ، ج ۲ ، ص ۲۱۸ ـ ۲۲۶ ؛ الخصال ، ص ۵۶۵ ـ ۵۷۰ مع اختلاف يسير ؛ بحار الأنوار ، ج ۷۱ ، ص ۲ ـ ۹ نقله عن الخصال .

صفحه از 172