الباب الرابع : الفروض على الجوارح

۰.قال أمير المؤمنين عليه السلام [في وصيته] لابنه محمّد بن الحنفية :يا بني ، لا تقل ما لا تعلم ، بل لا تقل كلَّ ما تعلم ؛ فإنّ اللّه [تبارك وتعالى قد] فرض على جوارحك كلّها فرائض يحتجّ بها عليك يوم القيامة فيسألك ^۱ عنها ، وذكَّرها ووعظها وحذّرها وأدَّبها ولم يترك[ها ]سدى ، فقال اللّه : «وَ لَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْـئولًا»^۲ وقال ] عز و جل[ : «إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَ تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَ هُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ» ، ^۳ ثمّ استعبدها بطاعته ، فقال ] عز و جل[ : «يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ ارْكَعُواْ وَ اسْجُدُواْ وَ اعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَ افْعَلُواْ الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»^۴ فهذه فريضة جامعة واجبة على الجوارح ، وقال ] عز و جل[ : «وَ أَنَّ الْمَسَـجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَدًا »^۵ يعني بالمساجد : الوجه واليدين والركبتين والإبهامين ، وقال ] عز و جل[ : «وَ مَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لَا أَبْصَـرُكُمْ وَ لَا جُلُودُكُمْ»^۶ يعني بالجلود : الفروج .
ثمّ خصّ كلَّ جارحة من جوارحك بفرض ونصَّ عليها ، ففرض على السمع أن لا يسعى ^۷ به إلى المعاصي فقال ] عز و جل[ : «وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِى الْكِتَـبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ءَايَـتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَاوَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ»^۸ وقال ] عز و جل[ : «وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِى ءَايَـتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ»^۹ ، ثمّ استثنى عز و جلموضع النسيان فقال : «وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَـنُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّــلِمِينَ»^۱۰ وقال ] عز و جل[ : «فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَ أُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُواْ الْأَلْبَـبِ»^۱۱ وقال ] عز و جل[ : «وَ إِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِرَامًا»^۱۲ وقال ] عز و جل[ : «وَ إِذَا سَمِعُواْ اللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ» ، ^۱۳ فهذا ما فرض اللّه ] عز و جل[على السمع وهو عمله . وفرض على البصر أن لا ينظر إلى ما حرَّم اللّه ] عز و جل[عليه فقال [عَزَّ من قائل] : «قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـرِهِمْ وَ يَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ» ، ^۱۴ فحرَّم أن ينظر أحد إلى فرج غيره . وفرض على اللسان الإقرار والتعبير عن القلب بما عقد عليه فقال ] عز و جل[ : «قُولُواْ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا» . ^۱۵ وقال ] عز و جل[ : «وَ قُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا»^۱۶ .
وفرض على القلب ، وهو أمير الجوارح الذي به يُعقل ويفهم ويُصدر ^۱۷ عن أمره ورأيه فقال ] عز و جل[ : «إِلَا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنّ بِالْاءِيمَـنِ»^۱۸ وقال تعالى [حين أخبر] عن قوم أعطوا الإيمان بأفواهم ولم تؤمن قلوبهم فقال [تعالى] : «الَّذِينَ قَالُواْ ءَامَنَّا بِأَفْوَ هِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُم»^۱۹ وقال ] عز و جل[ : «أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»^۲۰ وقال ] عز و جل[ : «وَإِن تُبْدُواْ مَا فِى أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ»^۲۱ . ^۲۲