فيما بيني وبين ربّي ـ تقدّس ذِكْره، وتعالت قدرته ـ وجميع ما فيه مستخرجٌ من كتبٍ مشهورةٍ عليها المعوَّل، وإليها المرجع» ۱ فيكون مراده بالصحّة؛ بمعنى المعتَمَد والمعوَّل [ عليه] ـ كما [ هو] مذهب القدماء ـ فلذا فسّره بالمعوَّل [ عليه].
فالصدوق عليه الرحمة لايدّعي قطعيّة الصدور أصلاً، بل قال: بأنّ ما أفتى به مأخوذٌ من كتبٍ مشهورةٍ، واشتهار الكتب لايقتضي كونها قطعيّةً .
مضافا إلى أنّه ـ رحمه اللّه ـ في مقام الفتوى بمضمونها، فهي ليست حجّةً على غيره .
على أنّ الإخبار بصحّة ما في الفقيه لايستلزم حصولَ علمه ـ رحمه اللّه ـ بقطعيّة صدور أخباره .
على أنّ كون الشيء قطعيّا ـ لو سلّمنا ـ عند شخصٍ لايستلزم أن يكون قطعيّا عند آخرين، والشاهد على ذلك: عدم إيراد الشيخ في الكتابين ۲ جميعَ ما في الفقيه و الكافي وكذا عدم إيراد الصدوق جميعَ ما في الكافي شاهدٌ على أنّ ما قطع به ثقة الإسلام غيرُ ملازمٍ لحصول القطع بالصدور لمن تأخّر ، ولو كان ذلك الآخَر مثل الصدوق، مع قرب عهده إليه، ونهاية جلالته ووثاقته، وشدّة بذل جهده وصرف همّته ـ في مدّة عشرين سنةً ـ لتأليف كتابه الكافي .
فلو كان عِلم صاحب الكافي كافيا في حصوله للصدوق لَلَزم عليه إيراد ما هو المنتخب [ منه] واعتبار ما جُمع فيه؛ في الفقيه فتأليفه كتابا آخَرَ مخالفا لِما ألّفه دليلٌ على أنّه لم يَرْضَ بجميع ما جمعه فيه .
ثمّ الشيخ ـ مع غاية قربه منهما ـ لم يعتمد عليهما، كما ذكرنا عدم اكتفاء الصدوق بما ذكره في الكافي حرفا بحرفٍ.
ومع ذلك كلّه نقول: إنّ الصدوق ـ مع أنّه صرّح في ديباجة كتابه [ بقوله]: قصدتُ [إلى] إيراد ما أُفتي به، وأحكم بصحّته، وأعتقد فيه أنّه حُجّةٌ فيما بيني و بين ربّي ـ قد
1.كتاب مَن لايحضره الفقيه ۱ : ۳ .
2.يعني: كتابي الأخبار، التهذيب و الاستبصار .