رسالة في علم الدراية - صفحه 284

الراوي وديانته، فيجوز العمل به، وأمّا إذا لم يكن كذلك فلا، بل يجب عليه الرجوع إلى علم الرجال.
وفيه: إن بلغ ذهاب الأكثر و الجميع إلى مرتبةٍ توجب القطع فلايتصوّر فوقه شيءٌ حتّى يلزم الفحص، وإن لم يبلغ حدَّ القطع فلا دليل على اعتباره، بل ربّما يحصل الظنّ من تصحيح البعض أكثر من تصحيح الأكثر .
ودعوى الإجماع الكاشف عن قول المعصوم عليه السلام لا معنى له هنا، لأنّ هذه المسألة ليست ممّا يتوقّف عليه بيان المعصوم عليه السلام بل هي من الموضوعات الصِّرْفة يجب على كلّ مكلّفٍ أن يجتهد فيها حتّى يحصل له ظنٌّ أو قطع، فسبيلها كسائر المبادئ ممّا يتوقّف عليه علم الفقه؛ كالنحو والصرف واللغة وأمثالها .
أمّا الثاني ؛ فقد عرفت أنّ حكمه الرجوع إلى علم الرجال، [ وهو] يكون ممكنا وميسورا من غير أدائه إلى العسر والمشقّة .
وتوهّم لزوم العسر فاسدٌ، لسهولة الرجوع إلى الكتب الرجاليّة.
فغاية الرجوع تحصيل الظنّ بقواعده، سيّما بعد ملاحظة مذاق المتأخّرين من بنائهم في التصحيح على الظنّ، فتحصيل ذلك ـ بعد المراجعة إلى الكتب التي جمعت القواعد ، و رُتّبت فيها على نحو الكمال ـ يمكن بغاية السهولة ، و إن كان عَسِرا لدى الهِمَم القاصرة سيّما في أمثال هذه الأزمنة التي اندرست فيها أسباب العلم وأهله، وقلّ الاشتغال بأمثال هذه العلوم، فلم يَبْقَ منها إلاّ الرسم، ولم يبق من العلماء إلاّ الاسم، ولعلّه لم يسبق علينا زمانٌ كان أهله كذلك، فوا أسفا ثمّ وا أسفا على هذه الأزمنة التي تعطّلت [ فيها] أمور التدريس والتكليف، وخمدت آثار المذاكرة وأنوار التصنيف .
وبالجملة، إذا صار الرجوع ممكنا فلايجوز الرجوع إلى العمل بتصحيح الغير والاكتفاء بقوله، بل عليه الرجوع إلى علم الرجال، والاتّكال على ما حصل له بعد المراجعة، وهو المطلوب .
هذا إذا كان الرجوع ميسورا وأمكن تحصيل المعرفة بقواعده والرجوع إلى العلم .

صفحه از 348