الوجيزة في علم دراية الحديث - صفحه 529

عن الأوّل و إلاّ لما أمر بالجميع ، كيف و هي أحد أسباب الترجيح و لاترجيح لها على غيرها فليحمل الأخبار على تعيين كلٍّ في طائفة أو عند تعذّر الآخر أو التخيير
و لافتقار العلماء إلى هذا العلم ترى سيرتهم قديماً و حديثاً على تدوين كتب الرجال و تنقيحها و تحصيلها باشتراء و استكتاب و على مطالعتها و الرجوع إليها في معرفة أحوال الرواة و العمل بها في الاعتداد برجالٍ و الطعن في آخرين و التوقّف في طائفة ثالثة حتّى أنّ كثيراً منهم كانت له مهارة في هذا العلم كالصدوق و المفيد و الطوسي و غيرهم من مشايخ الحديث ، بل ربّما أمكن أن يقال : إنّ اهتمام المتقدّمين فيه كان أزيد من المتأخّرين ؛ و هذا ـ مع ملاحظة ما في كتب الأُصول من الإتّفاق على اشتراطه في الاجتهاد ـ يكشف [كشفا] قطعياً عن بنائهم على الاحتياج إليه و اشتراطه في الاستنباط ، و عن رضى المعصوم عليه السلام بذلك . و مخالفة المخالف لا تقدح فيه ؛ لوضوح فساد شبهاتهم ، و لسبقهم بالإجماع و السيرة و لحوقهم عنه.
و ترى أيضاً أنّ سيرة الرواة و المحدّثين إلى زمن تأليف الكتب الأربعة بل إلى تأليف الثلاثة المتأخّرة ۱ على الالتزام بذكر جميع رجال جميع الأسانيد حتّى أنّ أحداً لو أسقطهم أو بعضهم في مقامٍ أشار إليهم في مقامٍ آخَر كما في الفقيه و التهذيبين مع التصريح بأنّه للتحرّز عن لزوم الإرسال و القطع و الرفع المنافية للاعتبار ، و من المعلوم أنّ ذلك كلّه لأن يعرفهم الراجع إلى كتبهم و يجتهد في أحوالهم على حسب مقدوره فيميّز الموثوق به الجائز أخذ الرواية منه عن غيره و إلاّ لزم اللغويّة فيعلم الافتقار و الكشف عن الاشتراط ؛ فلو كان بناؤهم على اعتبار ما فيها من غير ملاحظة أحوال الرواة للأخذ من الأُصول الأربعمائة أو غيره من قرائن الاعتبار أو القطع بالصدور ، لكان تطويل الكتب بذكر الجميع لغواً مكروهاً .
وفي الوجوه المذكورة كفاية عن غيرها في هذه الوجيزة و المسألة مفصّلة في الأُصول مع الأجوبة الكافية الشافية عن شبهات الخصم التي أخَذَها أدلّةً و براهينَ بزعمه ؛

1.المتأخّرة هي الوافي و الوسائل و البحار ؛ «منه».

صفحه از 579