نزهة أهل الحرمين في عمارة المشهدين
سيّد حسن بن هادى صدر كاظمينى(1354ق)
تحقيق : محمّد رضا انصارى قمى
التمهيد
إنّ ما تتميَّز الإماميّة عمّا سواها من المذاهب الإسلاميّة ، تعلّقها وحبّها وولاؤها التامّ لآل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعترته الطاهرة ؛ الّتي أمر اللّه ـ سبحانه وتعالى ـ عباده بإطاعتهم والتمسّك بحبلهم والاهتداء بهديهم ؛ حيث ورد الأمر بلزوم حبّهم ومودّتهم في قوله تعالى : «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلَا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»۱ ، كما ورد عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في روايات عديدة الأمر بلزوم التمسّك بهم ، بل والحثّ على ذلك والتحذير من الانفكاك عنهم والابتعاد عن سبيلهم ، منها الخبر المشهور والمتواتر الذي رواه الفريقين عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : إنّي تاركٌ فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً .
وعليه فقد اعتقدت الشيعة بإمامة الأئمّة الاثني عشر ، فدافعوا عن حقّهم ، وساعدوهم في محنتهم ، وصحبوهم بأحسن ما يكون ، ونقلوا عنهم سُنّة جدّهم صلى الله عليه و آله ، وحفظوا تراثهم عن الضياع والاندثار بالكتابة والنقل والرواية ، واستمرّوا على ذلك بعد أن طالت أيادي الظلم والعدوان على هذه النخبة الطاهرة المعصومة قتلاً وتشريداً ، وظنّ الظالمون أنّ القتل والإبادة خير وسيلة لإفنائهم ونشيان ذكرهم ، فأمعنوا في ذلك وتتبّعوهم في مدينة جدّهم ، وشرّقوا بهم وغرّبوا ، ناسين أنّ القتل لهم عادة ، وكرامتهم من اللّه الشهادة ، فانقلب السحرُ على الساحر ، وصارت مضاجعهم ومراقدهم ومزاراتهم منارات يهتدي بها المؤمنون ، ويستشعروا بجوارها القُرب من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ويستنشقوا هواءها الممزوج بعبير العبق النبوي الفوّاح من أجسادهم الطاهرة الزكيّة الملطّخة بدم الشهادة ، ويستذكروا جهادهم وبسالتهم وتفانيهم في سبيل إعلاء كلمة الحقّ ، وصون الشريعة الغرّاء من عبث الخلفاء الفاسقين ، وولاتهم الجائرين ، وأتباعهم الناعقين ، ويستلهموا منهم العزيمة في الثبات على الطريقة الحقّة ، والتفاني في الدفاع عن معتقداتهم الصحيحة ، آملين أن تشملهم بركاتهم في الدُّنيا وشفاعتهم وشفاعة جدّهم المصطفى صلى الله عليه و آله في الآخرة . رزقنا اللّه تعالى ـ وسائرالمؤمنين ـ نيلهما في الدارين ، آمين .
ولعلّ أبرز مراقد الأئمّة شهرةً وقدماً مرقدي الإمامين أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وولده سيّد الشهداء أبي عبد اللّه الحسين عليهماالسلام في مدينتي النجف الأشرف وكربلاء المقدّسة بالعراق .
وبرغم صيرورة مرقديهما الشريفين مزاراً منذ القرون الهجريّة الاُولى ، إلّا أنّه اختلف المؤرِّخون والمحقّقون في المتقدّم من عمارتهما ؛ فقد ذهب بعضهم إلى أسبقيّة عمارة المشهد الحسيني على مشهد أمير المؤمنين عليهماالسلام ؛ وممّن بحث هذا الاختلاف العلّامة المحدّث الإمام السيّد حسن الصدر الكاظمي البغدادي رحمه اللّه تعالى ، من خلال هذه الرسالة اللّطيفة الّتي سمّاها نزهة أهل الحرمين في عمارة المشهدين ، و حيث ألّفها بالتماس مَنْ يصفه رحمه اللهفي خاتمة الرسالة بقوله :
الأجلّ الأكرم ، صاحب الفضائل والتوفيقات ، المستوفي المعظّم الميرزا الكرماني ۲ ـ دام توفيقه ـ في شهر جمادى الآخرة سنة 1336 هجرية .
وهذه الرسالة تُنبئ عن المرتبة العلميّة الّتي كان يتمتّع بها سيّدنا الصدر ، فهو رحمه اللهيستعرض فيها الأخبار التاريخيّة المذكورة في أسفار المؤرِّخين ، والأحاديث والروايات الواردة حول هذين الحرمين الشريفين في مجاميع الأخبار ، مع الاستشهاد بمقاطع بعض الأدعية والزيارات الواردة في شأنهما ، ثمَّ يحاول بمنطقه القويم وفهمه الفقهي المستقيم واجتهاده المبنيّ على القواعد الصحيحة ، أن يستنبط حقيقة الأمر في هذه القضيّة التاريخيّة ، وأظنّه رحمه الله قد وُفّق في ذلك وأصاب كبد الحقيقة .
1.سورة الشورى ، الآية ۲۳ .
2.وأظنّه من أرباب المناصب في الدولة القاجاريّة .