الحادي عشر : [ في تعارض قول الكشّي والنجاشي ]
أنّه لو تعارض قول الكشّي والنجاشي فقد جَنح الفاضل الخواجوئي في أوائل رجاله إلى تقديم قول الكشّي ؛ نظراً إلى أنّه أقدمُ زماناً ، وأبصرُ بأحوال الرجال وحقيقةِ الحال ۱ .
وحكي القول به عن شيخنا البهائي في الأربعين عند الكلام في الحديث البياني المعروف الذي رواه حمّاد بن عيسى ۲ ، وكذا عن الطريحي في المجمع في «حمد» ۳ بملاحظة أنّهما حكما في عمر حمّاد بن عيسى بكونه نيّفاً وسبعين ؛
حيث إنّ هذا هو مقالة الكشّي ۴ ، والنجاشي ذكر أنّ عمره نيّف وتسعون ۵ ، ويبعد كمالَ البُعد عدم اطّلاع شيخنا البهائي والطريحي على مقالة النجاشي .
وهو ظاهر ابن داود ۶ والسيّد السند التفرشي ۷ وغيرهما ۸ ؛ حيث إنّهم قدّموا «كش» على «جش» في فاتحة الكتاب عند بيان الرموز ، وكذا في تضاعيف الكتاب عند نقل العبائر ، إلاّ أنّه يمكن أن يكون التقديم بواسطة التقدّم في الزمان ، بل هو الظاهر .
ومقتضى طائفة من الكلمات الآتية ـ الدالّة على أنّ النجاشي أضبط علماء الرجال ـ تقديم قول النجاشي .
ويظهر القول به من الفاضل الاسترآبادي ؛ حيث إنّه قدّم «جش» على «كش» بادئ كتابه عند بيان الرموز ، بل جرى على تقديمه عليه في تضاعيف التراجم ۹ .
وهو الأظهر ؛ نظراً إلى كون نظر المتأخّر أقربَ إلى الصواب ، خصوصاً مع تفطُّن النجاشي بأغلاط الكشّي ؛ حيث إنّ النجاشي تعرّض لحال الكشّي ، وقال : «له كتاب الرجال ، وفيه أغلاط كثيرة» ۱۰ .
وقد نقله السيّد السند التفرشي عن النجاشي في ترجمة معاوية بن عمّار ۱۱ . ونقله الفاضل الشيخ محمّد أيضاً عن النجاشي في باب معاوية بن عمّار ۱۲ .
لكن قال المولى التقيّ المجلسي بعد نقل كلام النجاشي : «والظاهر أنّ المُراد بالأغلاط الكثيرة الرواياتُ المُتعارضة» ۱۳ .
لكنّك خبير بظهور مُخالفته للظاهر ، وشدّةِ بُعده عن ظاهر كلام النجاشي ؛ مُضافاً إلى ما يظهر ممّا يأتيفي ترجيح كلام النجاشي على كلام الشيخ عند التعارض، فضلاً عمّا يأتي من الكلمات الصريحة في كون النجاشي أضبطَ ممّن عداه .
ومع ذلك نقول : إنّ العلاّمة في الخلاصة في ترجمة الكشّي ذكر أيضاً أنّ له كتابَ الرجال وفيه أغلاط كثيرة ، وهو قد بنى على مُتابعة النجاشي كما يأتي . ومقتضاه كمال وثوقه به .
إلاّ أن يقال : إنّ النسبة إلى كثرة الأغلاط منه من باب مُتابعة النجاشي أيضاً ، فلم تنتهض تفرقته بين الكشّي بنسبته إلى كثرة الأغلاط والنجاشي بشدّة الوثوق به .
لكن نقول: إنّه لو كان في المقام خصوصية تقتضي رجحان قول الكشّي فعليها المدار ، لكنّك خبير بأنّ الظاهر ـ بل بلا إشكال ـ قلّة وقوع المُعارضة بين كلام الكشّي والنجاشي في مقام الجرح والتعديل ، بل مطلقاً ؛ إذ بناء الكشّي على مجرّد نقل الأخبار في المدح أو الذمّ في ترجمة مَن وردَ في بابه الخبر بالمدح أو الذمّ .
نعم ، قد يتصرّف ، كما في قوله : «شهاب وعبد الرحمن وعبدالخالق ووهب ولد عبد ربّه من موالي بني أسد وصلحاء الموالي» ۱۴ . وقوله في ترجمة زرارة : «محمّدبن بحر هذا غالٍ وفضالة ليس من رجال يعقوب» ۱۵ .
وقد حكى غير واحد عن الكشّي في ترجمة يونس بن عبد الرحمن مايقتضي التصرّف ، لكنّه مبنيّ على كون العبارة «قال أبو عمرو» وفي غير واحد
من النسخ المعتبرة «قال أبو الحسن» ۱۶ .
وكذا قوله في ترجمة محمّدبن سنان :
روى عنه الفضل وأبوه ويونس ومحمّد بن يونس ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب والحسن والحسين ابنا سعيد الأهوازيان وأيّوب بن نوح وغيرهم من العدول والثقات. ۱۷
حيث إنّ المستفاد منه توثيق الجماعة المذكورة .
ومنه : أنّ السيّد الداماد نسبَ توثيق محمّد بن عيسى إلى الكشّي ، ولم يأتِ توثيق محمّد بن عيسى في غير العبارة المذكورة ۱۸ .
وأمّا استفادة القول بتقديم قول الكشّي من شيخنا البهائي والطريحي ، فتضعف بأنّه وإن كان عدم اطّلاعهما على مقالة النجاشي بعيداً ، لكن اختيار مقالة الكشّي مع عدم إظهار ثبوت الخلاف أبعد ، كيف والغالب في موارد اختيار أحد القولين في جميع الفنون الإشارة إلى ثبوت الخلاف ، بل في المتون كثيراً مّا يذكر الخلاف . ومع ذلك نُسَخ الكشّي مختلفة في باب التسعين والسبعين ، ففي بعض النُسَخ التسعين ، وفي بعضٍ السبعين ، فلم يثبت الخلاف بين الكشّي والنجاشي ، فمن أين يثبت تقديم شيخنا البهائي والطريحي مقالة الكشّي؟!
ومع ذلك يمكن أن يقال : إنّ الظاهر أنّ مقالة النجاشي كانت مأخوذة من مقالة الكشّي ، إلاّ أنّه تطرّق التصحيف ـ أعني تصحيف السبعين بالتسعين ـ بناءً على كون المأخوذ في عبارة الكشّي هو التسعين ؛ لبُعد عدم اطّلاع النجاشي على مقالة الكشّي .
ثم إنّه ربّما حكم الشهيد في الذكرى في بحث صلاة الجمعة باعتبار
الحَكَم بن مِسكين ؛ نظراً إلى أنّ الكشّي ذكره في كتابه ولم يتعرّض له بذمّ ۱۹ .
وتعجّب منه الشهيد الثاني في رسالة صلاة الجمعة ۲۰ بأنّ مجرّد ذكر الكشّي له لايوجب قبولاً له ؛ إذ قد ذكر في كتابه المقبول وغيره ، بل لو ذكره بهذه الحالة جميع المصنّفين ومن هو أجلّ من الكشّي لم يفد ذلك قبوله ، فكيف بمثل الكشّي الذي يشتمل كتابه على أغاليط من جرحٍ لغير مجروح بروايات ضعيفة ، ومدحٍ لغيره كذلك كما نبّه عليه جماعة من علماء هذا الفنّ . والغرض من وضعه ليس هو معرفةَ التوثيق وضدِّه كعادة غيره من الكتب ، بل غرضه ذكر الرجل وما ورد فيه من مدحٍ أو ذمّ ، وعلى الناظر طلب الحكم من غيره ، وحيث لايقف على شيء من أحواله يقتصر على ذكره ، كما يعلم ذلك مَن تأمَّلَ الكتاب ، وما هذا شأنه كيف يُجعل مجرّد ذِكره لهُ مُوجباً لقبول روايته .
وأنت خبير بأنّه لو كان غرض الكشّي في كتابه ذِكرَ الرجل و ما ورد فيه من مدحٍ أو ذمّ ، فلا يكون غرضه المدحَ ولاالذمَّ ، فدعوى ـ اشتمال كتابه على أغاليط من جرح لغير مجروح بروايات ضعيفة ، ومدح لغيره كذلك ـ كما ترى .
بقي أنّ الكشّي قد ذكر : أنّ حمّاد بن عيسى عاش إلى وقت الرضا عليه السلاموتوفّي سنة تسع ومائتين ۲۱ .
ومقتضاه أنّ وفاة حمّاد بن عيسى كانت في زمان مولانا الرضا عليه السلام ، وهو يُنافي ما ذكره من أنّ حمّاد بن عيسى تُوفّي في سنة تسع ومائتين ، ومقتضاه أنّ وفاة حمّاد بن عيسى كانت في حياة الجواد عليه السلام ، كما صرّح به النجاشي والشيخ في الفهرست ۲۲ ؛ لأنّ مولانا الرضا عليه السلامتوفّي في سنة ثلاث ومائتين ، فما صنعه الكشّي
من باب الغلط .
إلاّ أن يقال : إنّ كون وفاة مولانا الرضا عليه السلام ليس موردَ الاتّفاق حتى يكون ما جرى عليه الكشّي من باب الغلط ، بل إنّما هو مختار الكليني ، وهو قد صرّح بكون تاريخ وفاة مولانا الرضا عليه السلاممحلَّ الخلاف ۲۳ ، فلعلّ الكشّي كان يقول بكون وفاته عليه السلامفي اثنتي عشرة ومائتين سنة مثلاً ، وهذا يجتمع مع وفاة حمّاد في زمان حياة مولانا الرضا عليه السلام .
وأيضاً ذكر الكشّي في ترجمة معاوية بن عمّار : أنّه عاش مائة وخمساً وسبعين ۲۴ . وهذا من باب الغلط أيضاً ؛ لأنّه ـ بعد شدّة بُعدِه ـ مردودٌ بأنّ معاوية روى عن أبي عبد اللّه وأبي الحسن عليهماالسلام ، وأبو عبد اللّه عليه السلامتُوفّي في سنة ثمان وأربعين ومائة على ما ذكره الكليني كما عن الشهيد في الدروس ، ولو عاشَ معاوية مائة وخمساً وسبعين ، لأدرك النبيّ صلى الله عليه و آله مع أنّه لم يعدّه أحد من الصحابة .
مع أنّ النجاشي ذكر أنّ معاوية ماتَ سنة خمس وسبعين ومائة ۲۵ ، فالظاهر أنّ «عاش» اشتباه من «مات» ۲۶ .
لكنّك خبير بأنّ ذلك ـ أعني ما سمعت من النجاشي في تاريخ وفاة معاوية ـ يُوهن دعوى كون مقالة النجاشي في باب عُمْر حمّاد مأخوذةً من مقالة الكشّي إلاّ أنّه وقع التصحيف في الباب ؛ بمُلاحظة بُعد عدم اطّلاع النجاشي على مقالة الكشّي . وكذا بُعد إغماض النجاشي عن الإشارة إلى مخالفة الكشّي .
وأيضاً روى الكشّي عن عليّ بن محمّد بن القاسم الحذّاء الكوفي قال :
خرجتُ من المدينة ، فلمّا جُزْتُ حيطانها مُقبلاً نحو العراق إذا أنا برجل
على بغلٍ أشهبَ يعترض الطريق ، فقلت لبعض من كان معي : من هذا؟ فقالوا : هذا ابن الرضا عليه السلام ، قال : فقصدت قصده ، فلمّا رآني أُريده ، وقف لي ، فانتهيت إليه لأُسلّم عليه ، فمدّ يده إليّ فسلّمت عليه ، وقبّلتها ، فقال : من أنت؟ فقلت : بعض مواليك جعلت فداك ، أنا محمّد بن عليّ بن القاسم الحذّاء ، ـ ثمّ قال ـ : واسم عمّه القاسم الحذّاء ، وأبوبصير هذا يحيى بن القاسم يُكنّى أبا محمّد ۲۷ .
ولايخفى أنّ قوله : «أنا محمّد بن عليّ بن القاسم الحذّاء» لايُناسب روايته عن عليّ بن محمّد بن القاسم ، ولابدّ من كون أحدهما غلطاً ؛ إذ القاسم هو الجدّ لا العمّ ، مع أنّه لو كان القاسم عمّاً فلاارتباط للخبر بالعنوان المذكور في كلامه ، أعني قوله في يحيى بن أبي القاسم أبي بصير : «ويحيى بن القاسم الحذّاء» ، والصواب : واسم عمّه يحيى بن القاسم الحذّاء .
واحتمال أن يكون للراوي عن مولانا الجواد عليه السلام عمّ آخر غير يحيى ، يَدْفَعُهُ أنّ مقتضى ذكر الخبر في ذيل العنوان المذكور كون العمّ هو يحيى .
واحتمال أن يكون المقصود بالعمّ هو يحيى بنَ أبي القاسم ، مدفوعٌ بأنّ المفروض أنّ اسم جدّ الراوي عن مولانا الجواد عليه السلام هو القاسم ، فلامجال لهذا الاحتمال .
ويُرشد إلى كون الأصل «واسم عمّه يحيى بن القاسم الحذّاء» قولُه : «وأبو بصير هذا يحيى بن القاسم الحذّاء» إلاّ أنّه لم يُسبق كون يحيى بن القاسم يكنّى بأبي بصير ، بل المسبوق هو أنّ يحيى بن أبي القاسم يكنّى بأبي بصير .
نعم ، يستقيم الأمر بناءً على اتّحاد يحيى بن القاسم ويحيى بن أبي القاسم .
ويُرشد إلى كون الأصل «واسم عمّه يحيى بن أبي القاسم الحذّاء وأبو بصير هذا يحيى بن أبي القاسم يكنّى أبا محمّد» ما رواه الكشّي في ترجمة ليث المرادي في قوله : «محمّد بن مسعود قال : سألت عليّ بن الحسن بن فضّال عن أبي بصير ، فقال : اسمه يحيى بن أبي القاسم ، فقال : أبو بصير كان يكنّى أبا محمّد» ۲۸ .
وأيضاً عن شيخنا البهائي في بعض فوائده : أنّ نسبة الوقف من الكشّي إلى أبي بصير في صدر العنوان المذكور ينبغي أن تُعدّ من الأغلاط ؛ لموت أبي بصير في حياة مولانا الكاظم عليه السلام ، وتجدُّدِ الوقف بعده ۲۹ ، إلاّ أنّه إنّما يتّجه بناءً على اتّحاد يحيى بن أبي القاسم .
وأمّا بناءً على التعدّد فلا بأس بنسبة الوقف ؛ لعدم ثبوت موت يحيى بن القاسم المنسوب إلى الوقف في حياة مولانا الكاظم عليه السلاممع أنّ النسبة إلى الوقف لم تصدُر عن الكشّي ، بل إنّما صدرت عن بعض أشياخ حمدويه ؛ إذ قال الكشّي : «حمدويه ذكره عن بعض أشياخه : يحيى بن القاسم الحذّاء الأزدي واقفي» ۳۰ .
وأيضاً روى الكشّي في أوائل كتابه عن جبرئيل بن محمّد في أوّل ما روى عن جبرئيل ۳۱ ، وروى في سائر رواياته عن جبرئيل بن أحمد ۳۲ ، وهو كثير ، فالأوّل من باب الغلط .
وربّما تردّد الفاضل التُستري عند روايته عن جبرئيل بن أحمد بعد ذلك بين كون الاشتباه في محمّد وكون الاشتباه في أحمد . وضعفه ظاهر ؛ لكثرة أحمد ، ولعلّه لم يتفطّن لأحمد في غير ذلك .
وأيضاً قال الكشّي : «الحسن والحسين ابنا سعيد بن حمّاد بن سعيد موالي عليّ بن الحسين عليه السلام» ۳۳ . والصواب : «من موالي» مع أنّ حمّاداً يكون ابن مهران كما في كلام الشيخ ۳۴ والعلاّمة ۳۵ .
وأيضاً روى الكشّي في ترجمة عبد الرحمن بن سيّابة بالإسناد عن عليّ بن عطيّة أنّه قال :
كتب عبد الرحمن بن سيّابة إلى أبي عبد اللّه عليه السلام : وقد كنتُ أُحذّرك إسماعيلَ .
جانيك من يجني عليك وقديُعدي الصِحاحَ مَباركُ الجُرْب
فكتب إليه أبو عبد اللّه عليه السلام : «قول اللّه أصدق : «وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى»۳۶ واللّه ما علمتُ وما أُمرتُ ولارضيتُ» ۳۷ .
قوله : «جانيك» بالنون على ما في نُسختين مُعتبرتين ، وكذا الحال في «يجني عليك». والظاهر أنّ كلاًّ منهما بالباء الموحّدة من الجباية ، وهي بمعنى جمع المال ، والمقصود جمع الصدقات . ومنه قول أميرالمؤمنين عليه السلام فيما كتبه إلى معاوية : «سمعت أنّك جبى مسجداً من جباية» ۳۸ .
ولعلّ قوله المُشار إليه ـ أعني جابيك ـ بدل من قوله : «إسماعيل» أو عطف بيان له . وكذا «من يجبي عليك» بدل بعدَ بدل ، أو عطف بيان ، لكن يتكرّر البدل أو عطف البيان ، والمعنى : أنّي أُحذّرك إسماعيل الذي يكون آخذاً للصدقات من جانبك ، ويأخذ الصدقات ضارّاً في حقّك ، لم أظفر بواسطة ظلمه إليك ، كما أنّ
منازل الإبل الجُرْب توجب سراية الجَرَب إلى الإبل الصِحاح .
وذكر في النهاية
أنّه يقال : أعداه الداءُ يُعديه إعداءً ، وهو أن يصيبه مثل ما بصاحب الداء . وذلك أن يكون ببعيرٍ جَرَب مثلاً فتُتَّقى مُخالطته بإبل أُخرى ، حذراً من أن يتعدّى ما به من الجَرَب إليها ، فيُصيبه ما أصابها ، وقد أبطله الإسلام ؛ لأنّهم كانوا يظنّون أنّ المرض بنفسه يتعدّى ، فأعلمهم النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه ليس كذلك ، وإنّما اللّه هو الذي يُمرض ويُنزل الداء . ومن هذا ما في بعض الأحاديث : «فمن أعدى [البعيرُ] الأوّل؟» ۳۹ أي من أين صارَ فيه الجَرَب؟
وذكر ما ذكر في المجمع ۴۰ .
ويمكن أن يكون «جابيك» ـ بالباء الموحّدة ، أو بالياء المثنّاة من المجيء ـ مبتدأً ، ويكونَ «يجبي عليك» ـ بالباء الموحّدة أيضاً أو من المجيء أيضاً ـ خبرا ، أي الذي يكون آخذ الصدقات من جانبك مَن يأخذ الصدقاتِ أو يجيئك بالصدقات ضارّاً عليك من جهة ظلمه ، وسراية ظلمه إليك .
ويمكن أن يكون الأمر من باب تكرار البدل أو عطف البيان ، أو من باب المبتدأ والخبر ، ويكونَ «جانيك» بالنون أو بالباء الموحّدة أو من المجيء ، ويكونَ يجبي بالباء الموحّدة ، أو من المجيء على الأوّل ، وبالنون أو من المجيء على الثاني ، وبالنون أو الباء الموحّدة على الثالث .
وأمّا احتمال أن يكون كلٌّ من جانيك ويجني عليك بالنون والأمرُ من باب تكرار البدل أو عطف البيان أو من باب المبتدأ والخبر فغير مُتّجه ؛ لاستلزامه لتكرار المُفاد .
وإن قلت : ما الفرق بين هذا الاحتمال واحتمال كون كلّ من جابيك ويجبي عليك بالباء الموحّدة أو من المجيء؟
قلت : إنّه على هذين الاحتمالين تتأتّى الدلالة على الضرر بتوسّط لفظة «على» ، فلا يتأتّى التكرار ، وأمّا على احتمال الاتّفاق في النون ـ أعني احتمال كون كلٍّ من جانيك ويجني عليك بالنون ـ فيتأتّى التكرار .
قوله : «مَبارك» قيل : إنّ العبارة «مَنازل» وهو الأليق ، لكن لابأس بالمبارك ، وهي مَحالّ إناخة البعير .
قوله : «الجُرب» ـ بضمّ الجيم ، وسكون الراء ـ : جمع الأجرب ، كالحُمر جمع الأحمر .
وربّما قيل : إنّ المعنى : أنّ من يجني عليك هو الجاني ، فلايجوز أن يُقتصّ ۴۱ في الجناية من غير الجاني ، وإن كان قد يتعدّى إلى الغير أيضاً في جناية وقعت ، كما أنّ منازل الجُرب تؤثّر في الصحاح ، فشبَّه الجاني بالأجرب ، والذين يقع عليهم التعدّي في أمر الجناية ـ مع أنّ الجاني واحد ـ شبّههم بالصحاح الواقعة في منازل الجُرب ، فإنّه يسري الجَرَب . وليس بشيء .
وأيضاً روى الكشّي في أواخر ترجمة هشام بن الحكم عن محمّد بن مسعود بن مزيد ۴۲ .
وذكر السيّد الداماد في الحاشية أنّ الصحيح محمّد بن سعيد مكانَ محمّدبن مسعود ، أو محمّد بن مسعود عن محمّد بن سعيد بن مزيد ، قال : «كما مرّ ذلك مِراراً كثيرة» ۴۳ .
وأيضاً عنون الكشّي عليّ بن الحسين بن عبد اللّه غير مرّة ، وروى في ترجمته عن حمدويه ، عن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحسين بن عبد اللّه . ثمّ روى عن محمّد بن مسعود ، عن محمّد بن نصير ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، قال : «كتب إليه عليّ بن الحسين بن عبد ربّه» ۴۴ .
وأنت خبير بالمخالفة بين المعنون والإسناد الأخير من الإسنادين المذكورَين في تلك الترجمة ؛ حيث إنّ المعنون عليّ بن الحسين بن عبد اللّه ، وهذا يخالفه عليّ بن الحسين بن عبد ربّه في الإسناد الأخير ، وإن يوافق الإسناد الأوّل للمعنون ، فلابدّ من الغلط في المعنون أو الإسناد الأخير .
إلاّ أنّ الأرجح كون الغلط في الإسناد الأخير ؛ للزوم الغلط في الإسناد الأوّل أيضاً بناءً على كون الغلط في المعنون ، فيدور الأمر بين وحدة الغلط وتعدّده ، وقضيّة بُعد الغلط تقتضي البناء على وحدة الغلط ؛ لمزيد البُعد على تقدير التعدّد .
لكنّه عنون بعد ذلك أبا عليّ بن هلال ، وأبا عليّ بن راشد ، وروى بالإسنادين أنّه عليه السلامأقام أبا عليّ مقام الحسين بن عبد ربّه ۴۵ ، وهذا يرجّح البناء على كون الغلط في المعنون والإسنادِ الأوّل بناءً على ظهور اتّحاد الحسين بن عبد اللّه المذكور ـ أعني والدَ عليّ ـ والحسينِ بن عبد ربّه المذكور ؛ إذ لولا ذلك يلزم كون الغلط في الإسناد الأخير المُشار إليه ، والإسنادين في العنوان الأخير .
فيدور الأمر بين غلطين وثلاثة أغلاط ، والأوّل أرجح ؛ لمزيد البُعد في ثلاثة أغلاط بالنسبة إلى غلطين بواحد .
نعم ، قلّة المخالفة للظاهر بواحد ـ مثلاً ـ لاتقتضي المصير إليها فيما لو كان خلافُ الظاهر كثيراً . كما لو دار الأمر في خلاف الظاهر بين خمسين وواحد
وخمسين . ومن هذا عدم اعتبار عمومات الكتاب بعد كثرة التخصيص ؛ لعدم حصول الظنّ بدخول المشكوك فيه .
ومع ذلك ، الظاهرُ أنّ «أحمد» في الإسناد الأخير من الإسنادين في العنوان الأوّل غلطٌ ؛ لرواية محمّد بن نصير عن محمّد بن عيسى في روايات مُتعدّدة من روايات الكشّي ، بل تُرشد إلى ذلك رواية حمدويه بن نصير ، عن محمّد بن عيسى في روايات مُتعدّدة من روايات الكشّي .
وكذا رواية محمّد بن نصير وحمدويه بن نصير في بعض روايات الكشّي ، كما رواه في ترجمة إخوة زرارة ۴۶ .
وكذا رواية حمدويه بن نصير وإبراهيم بن نصير في بعض روايات الكشّي ، كما رواه في ترجمة زرارة ۴۷ .
لكن نقول : إنّ الكشّي روى في ترجمة عليّ بن حسكة وتلميذه عن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن نصير ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ۴۸ .
وأيضاً قد نقل الشيخ عن الكشّي في الفهرست وكذا في الرجال في أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام نقلاً أنّه عدّ لوط بن يحيى ـ وهو أبو مُخنف ـ من أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام .
وزيَّفَه في الفهرست بأنّ الصحيح أنّ أباه كان من أصحابه عليه السلام، وهو لم يلقه عليه السلام ۴۹ . وحكم في الرجال بأنّه غلط ؛ تعليلاً بأنّه لم يلقَ أميرالمؤمنين عليه السلام ۵۰ .
لكن لم أظفر بذلك في الاختيار ، ولم يُنقل ذلك عن الكشّي في كلام الفاضل الاسترآبادي مع نقله في التراجم لتمام كلام الكشّي .
وقد عدّه الشيخ في الرجال نقلاً من أصحاب الحسن والحسين والصادق عليهم السلا ۵۱ .
وأنت خبير بأنّ من البعيد غايةَ البُعد الروايةَ عن الحسنين والصادق عليهم السلامدون السيّد السجّاد والباقر عليهماالسلام .
والعجب من العلاّمة في الخلاصة ؛ حيث صرّح بموافقة الشيخ للكشّي ۵۲ ، مع ما سمعت ممّا صنعه الشيخ من تزييف كلام الكشّي والحكم بكونه غلطاً .
وأيضاً قد نقل السيّد السند النجفي عن الكشّي أنّه قال :
شهاب وعبدالرحيم وعبدالخالق ووهب ولد عبد ربّه موالي بني أسد من الصلحاء ۵۳ . ـ وقال أيضاً ـ : حدّثني أبو الحسن حمدويه بن نصير قال : سمعت بعض المشايخ يقول : وسألته عن وهب [وشهاب ]وعبد الرحمن بني عبد ربّه وإسماعيل بن عبدالخالق بن عبد ربّه قال : كلّهم خيار فاضلون كوفيّون ۵۴ .
وأورد : بأنّ عبدالرحيم في العبارة الأُولى أو عبد الرحمن في العبارة الثانية سهوٌ ۵۵ .
لكنّه مبنيّ على ما كان عند المُورِد من النُسخة ، وإلاّ ففي نُسختين مُعتبرتين عندي «عبد الرحمن» في العبارة الأُولى ، فلا مُنافاة في البين .
1.الفوائد الرجاليّة : ۴۹ .
2.الأربعين للشيخ البهائي : ۱۷۳ .
3.مجمع البحرين ۳ : ۴۱ (حمد) .
4.رجال الكشّي ۲ : ۶۰۵ / ۵۷۲ .
5.رجال النجاشي : ۱۴۳ / ۳۷۰ .
6.رجال ابن داود : ۲۵ .
7.نقد الرجال ۱ : ۳۵ .
8.كالحائري في منتهى المقال ۱ : ۶ .
9.منهج المقال : ۱۴ .
10.رجال النجاشي : ۳۷۲ / ۱۰۱۸ .
11.نقد الرجال ۴ : ۳۹۰ / ۱۴ .
12.استقصاء الاعتبار ، لم يطبع .
13.روضة المتّقين ۱۴ : ۴۴۵ .
14.رجال الكشّي ۲ : ۷۱۲ / ۷۷۸ .
15.رجال الكشّي ۱ : ۳۶۳ / ۲۳۵ .
16.انظر رجال الكشّي ۲ : ۷۸۸ / ۹۵۲ .
17.رجال الكشّي ۲ : ۷۹۶ / ۹۷۹ .
18.تعليقة الميرداماد على رجال الكشّي (رجال الكشّي) ۱ : ۲۶۹ / ۱۰۲ .
19.ذكرى الشيعة : ۲۳۱ .
20.رسالة صلاة الجمعة (رسائل الشهيد الثاني) : ۶۷ .
21.رجال الكشّي ۲ : ۶۰۵ / ۵۷۲ .
22.رجال النجاشي : ۱۴۲ / ۳۷۰ ؛ الفهرست : ۶۱ / ۲۴۱ .
23.الكافي ۱ : ۴۹۲ ، ح ۱۱ ، باب مولد أبي الحسن الرضا عليه السلام .
24.رجال الكشّي ۲ : ۵۹۶ / ۵۵۷ .
25.رجال النجاشي : ۴۱۱ / ۱۰۹۶ .
26.بل الظاهر سقوط كلمة «إلى» بعد «عاش» .
27.رجال الكشّي ۲ : ۷۷۳ / ۹۰۳ .
28.رجال الكشّي ۱ : ۴۰۴ / ۲۹۶ .
29.نقله عنه في منتهى المقال ۷ : ۳۷ .
30.رجال الكشّي ۲ : ۷۷۲ / ۹۰۱ .
31.رجال الكشّي ۱ : ۱۵ / ۷؛ ۳۲ / ۱۳ .
32.رجال الكشّي ۱ : ۴۶ / ۲۱ و۲۲؛ ۵۵ / ۲۷ ؛ ۵۷ / ۳۰ و ... .
33.رجال الكشّي ۲ : ۸۲۷ / ۱۰۴۱ .
34.الفهرست : ۵۳ / ۱۹۶ .
35.خلاصة الأقوال : ۳۹ / ۳ .
36.الأنعام (۶) : ۱۶۴ .
37.رجال الكشّي ۲ : ۶۸۸ / ۷۳۴ .
38.الكافي ۸ : ۱۹۶ ، ح ۲۳۴ .
39.النهاية لابن الأثير ۳ : ۱۹۲ .
40.مجمع البحرين ۱ : ۲۸۵ (جرب) .
41.في النسختين كليتهما : «يقتضى» .
42.رجال الكشّي ۲ : ۵۵۱ / ۴۹۲ .
43.رجال الكشّي ۲ : هامش ص ۵۵۱ / ۴۹۲ .
44.رجال الكشّي ۲ : ۷۹۷ / ۹۸۴ ، وفيه : «عبد اللّه » بدل «عبد ربّه» . فلا اعتراض إلاّ على بعض النسخ .
45.رجال الكشّي ۲ : ۷۹۹ / ۹۹۱ .
46.رجال الكشّي ۱ : ۳۸۲ / ۲۷۰ .
47.رجال الكشّي ۱ : ۳۵۷ / ۲۲۹ .
48.رجال الكشّي ۲ : ۸۰۲ / ۹۹۴ ، الموجود في ترجمة عليّ بن مسعود بن حسكة : «محمّد بن مسعود» بدل «محمّد بن عيسى» .
49.الفهرست : ۱۲۹ / ۵۸۳ .
50.رجال الطوسي : ۵۷ / ۱ .
51.م انظر رجال الطوسي : ۷۰ / ۱ ، ۷۹ / ۱ ، ۲۷۹ / ۶ .
52.خلاصة الأقوال : ۱۳۶ / ۱ .
53.في المصدر : من صلحاء الموالي .
54.رجال الكشّي۲ : ۷۱۲ / ۷۷۸ ؛ ۷۱۳ / ۷۸۳ .
55.رجال السيّد بحرالعلوم۱ : ۳۵۴ .