[ كلمات جماعة في وهن الشيخ ]
وأيضاً قد اتّفقت كلمات من جماعة تُوهن الشيخ في الرجال أو في الرجال ۱ أو في الجملة ، وبملاحظتها يتحرّك الظنّ إلى جانب قول النجاشي لولم يرتفع الظنّ من كلام الشيخ رأساً .
[ كلام الفاضل الخواجوئي ]
فمنها : ماذكره الفاضل الخواجوئي في أوائل أربعينه وأوائل رسالته المعمولة في الكرّ : من أنّ إخبار الشيخ بأحوال الرجال لايفيد ظنّاً ولاشكّاً في حال من الأحوال ؛ تعليلاً بأنّ كلامه في هذا الباب محلّ الاضطراب . وعدَّ من اضطراب كلامه :
أنّه يقول في موضع : «إنّ الرجل ثقة» ، وفي آخَرَ يقول : «إنّه ضعيف» كما في سالم بن مُكْرَم الجمّال ۲ ، وسهل بن زياد ۳ .
وأنّه قال في الرجال : «محمّدبن هلال ثقة» ۴ وفي كتاب الغيبة : «إنّه من
المذمومين» ۵ .
وأنّه قال في العدّة : «إنّ عبد اللّه بن بكير ممّن عملت الطائفة بخبره بلاخلاف» ۶ وفي الاستبصار في آخر الباب الأوّل من أبواب الطلاق صرّح بما يدلّ على فِسقه وكذبه ، وأنّه يقول برأيه ۷ .
وأنّه قال في الاستبصار : «إنّ عمّار الساباطي ضعيف لايعمل بروايته» ۸ وفي العدّة : «إنّ الطائفة لم تزل تعمل بما يرويه» ۹ .
وأنّه قد ادّعى عمل الطائفة بأخبار الفطحيّة مثل عبد اللّه بن بكير وغيره ، وأخبار الواقفيّة مثل سماعة بن مهران ، وعليّ بن أبي حمزة ، وعثمان بن عيسى ، وبني فضّال ، والطاطرية ۱۰ ، مع أنّا لم نجد أحداً من الأصحاب وثّق عليّ بن أبي حمزة البطائني ، أو يعمل بروايته إذا انفرد بها ؛ لأنّه خبيث ، واقفي ، كذّاب ، مذموم . وقس عليه حال غيره ممّن ادّعى عمل الطائفة على العمل بروايته في كلامه المذكور .
وأنّه تارةً يشترط في قبول الرواية الإيمان والعدالة ، كما قطع به في كتبه الأُصولية ، وهذا يقتضي أن لايعمل بالأخبار الموثّقة والحسنة . وأُخرى يكتفي في العدالة بظاهر الإسلام ، ولم يشترط ظهور العدالة ، ومقتضاه العمل بالأخبار الموثّقة والحسنة كالصحيحة .
وأنّه تارةً يعمل بالخبر الضعيف مطلقاً ، حتّى أنّه يخصّص به أخباراً كثيرة صحيحة حيث تعارضها بإطلاقها . وتارةً يصرّح بردِّ الحديث لضعفه .
وثالثةً يردّ الصحيح مُعلِّلاً بأنّه خبر واحد لايوجب علماً ولاعملاً ۱۱ .
وذكر أنّ أمثال ما ذكر من الشيخ كثيرة جدّا ، وتعجّب من صاحب الذخيرة حيث تمسّك على اعتبار رواية عثمان بن عيسى بنقل الاتّفاق على العمل من الشيخ في كلامه المذكور ۱۲ ، مع أنّه معدود في عداد مَن لاتعمل الطائفة بأخباره إلاّ أن تكون محفوفة بالقرائن . كيف وقد صرّح الشهيد في الدراية بأنّ أغلب أصحابنا لايعملون بأخبار الموثّقين من المخالفين ، كالفطحيّة والواقفيّة والناووسيّة ۱۳ ، فماظنّك بأخبار غير الموثّقين من المخالفين كابن أبي حمزة ومن شاكلهم ۱۴ .
أقول : إنّ بلوغ الغفلة والسهو من الشيخ يوجب ارتفاع الظنّ من قوله ، والوثوقُ بكلامه محلّ الإشكال ، بل الظاهر العدم .
وأمّا الغفلة والسهو ، فلا يبعد شيء منهما عن الإنسان ، بل هو مساوق الغفلة والنسيان . ومثل ما ذكره من الآحاد غير عزيز ، وإن لم يتكثّر من واحد . وقد يتّفق مثله عن جمع ، بل الجميع ، مثلاً : قد ذكر الشهيد في التمهيد في باب تعارض الأصل والظاهر : أنّه وقع الاتّفاق تارةً على تقديم الأصل ، وأُخرى على تقديم الظاهر ، وثالثةً وقع الخلاف ، مع أنّه إن كان الظاهر حجّة ، فلامجال لتقديم الأصل ، وإن كان الأصل حجّةً ، فلا مجال لتقديم الظاهر ، وإن كان أحدهما حجّة ، فلامجال للخلاف ۱۵ .
ومن راجع كلماتِ الفقهاء ، يجد صدق نسبة الشهيد ، ولم يكن اختلاف الحركة إلاّ من جهة عدم إتقان المسألة .
ونظيره الحركة منهم فيما لم يُعَنون سابقاً في المسائل الأُصولية ، مثل حجّيّة الظنّ ، وحكومة أصل البراءة وقاعدة الاشتغال في باب الشكّ في المكلّف به ؛ حيث إنّ بعضهم تارةً يتمسّك بالظنّ ، وأُخرى يُنكر حجّيته ؛ وبعضهم تارةً يبني على أصل البراءة ، وأُخرى يبني على قاعدة الاشتغال ؛ وربّما استدلّ على حجّيّة البيّنة بآية المُداينة ۱۶ ، وقيّد إطلاقها بالتقييد بالعدالة في آية الطلاق ۱۷ ؛ ولذا بنى على لزوم العدالة في الشهادة مطلقاً .
ولعلّ هذه الحركاتِ من المشهور مع اختصاص الإطلاق بالمداينة والتقييد بالطلاق .
ودعوى أنّ العبرة بعموم اللفظ لابخصوص المورد مردودة باختصاص هذا المقال بما لو كان الخصوص خارجاً عن كلام المتكلّم باختصاص شأن النزول أو وقوع الواقعة أو سؤال السائل ، ولامجالَ لهُ في صورة اختصاص نفس الكلام كما في الآيتين ، وإلاّ لصحّ القول فيما لو قيل : «إن جاءك زيد فأكرم عمرا» بعموم وجوب إكرام عمرو لصورة عدم مجيء زيد ؛ اعتباراً بعموم اللفظ دون خصوص المورد ، وفساده ظاهر . وقد حرّرنا الكلام في المقام في الأُصول .
ومع ذلك نقول : إنّ طائفة ممّا ذكره من الاضطراب من باب تجدّد الرأي ، وهو غير عزيز .
وأمّا ما ذكره من عدم وجدان توثيق عليّ بن أبي حمزة البطائني من أحد من الأصحاب ، ففيه : أنّ مقتضى ما حُكي عن ابن الغضائري من أنّه قال في ترجمة ابنه الحسن : «إنّ أباه أوثق منه» ۱۸
هو وثاقته .
وقد مالَ بعض الأعلام إلى قبول روايته ۱۹ .
وقال المولى التقيّ المجلسي في شرح مشيخة الفقيه : «روى عنه مشايخنا لثقته في النقل» ۲۰ .
وأمّا ما ذكره ـ من أنّ الشيخ تارةً يشترط في قبول الرواية الإيمان والعدالة ، ومقتضاه عدم العمل بالأخبار الموثّقة والحسنة ـ فيرد عليه : أنّه لاتنافي في البين إلاّ بناءً على كون الغرض من الإسلام ـ المكتفى بظهوره مع ظهور الفِسق ـ هو المعنى الأعمَّ لا الأخصَّ ، لكن عن المقدّس القول بكون الغرض هو المعنى الأخصّ ، أي الإيمانَ ۲۱ ، واستظهره بعض الفحول ، إلاّ أنّ المحكيّ عن جماعة منهم الشيخ في النهاية الاكتفاء بظهور الإسلام ۲۲ ، وعدمِ ظهور الفسق مع انتفاء الإيمان في الشاهدين في الطلاق ، لكن هذا في غير الرواية ، وما أورد به ورود التنافي إنّما هو في الرواية .
ويرد عليه أيضاً : أنّ مقتضى اشتراط العدالة ليس عدمَ العمل بالأخبار الحسنة كما هو مقتضى كلامه ؛ لعدم وضوح حال العدالة ؛ إذ لو بُني في العدالة على كفاية ظهور الإسلام وعدم ظهور الفسق ، فلابأس بالعمل بالأخبار الحسنة ، فاقتضاء اشتراط العدالة بالنسبة إلى العمل بالأخبار الحسنة نفياً أو إثباتاً إنّما يتمّ بعد وضوح حال العدالة ، فبعد اكتفاء الشيخ في العدالة بظهور الإسلام وعدم ظهور الفسق يظهر منه جواز العمل بالأخبار الحسنة .
ويرد عليه أيضا : أنّ مُقتضى كلامه أنّ بناء الشيخ على كفاية مجرّد ظهور
الإسلام وعدم ظهور الفسق في نفس العدالة ، ولعلّ الظاهر أنّ بناءه على الكفاية في كاشف العدالة ، والتفصيل في محلّه .
وأمّا ما ذكره ـ من أنّ الشيخ قد يعمل بالخبر الضعيف حتّى أنّه يخصّص به أخباراً كثيرةً صحيحةً حيث تعارضها بإطلاقها ـ فمقتضى كلام الشهيد في الدراية أيضا في كلامه المعروف المنقول في المعالم أنّه عمل بالأخبار الضعيفة لأمرٍ مّا رآه ۲۳ ، لكنّه في كمال البُعد .
اللهمّ إلاّ أن يكون غرور الشهيد من إيراد الشيخ في النهاية الرواياتِ الضعيفةَ ، لكنّ الظاهر أنّ المقصود به مجرّد إيراد الرواية ، لا الاعتقاد بها ، كما تكرّر القول به من الحلّي ، بل قال : «إنّ النهاية كتاب خبر ، لاكتاب بحث ونظر» ۲۴ .
إلاّ أنّ مقتضى الكلام المذكور من الفاضل المتقدّم أنّ الشيخ بنى على تخصيص عموم الأخبار الصحيحة بالأخبار الضعيفة .
1.أي : في فنّ الرجال أو كتاب الرجال .
2.رجال الشيخ : ۲۰۹ / ۱۱۶ ؛ الفهرست : ۷۹ / ۳۲۷ ؛ وانظر خلاصة الأقوال : ۲۲۷ .
3.رجال الطوسي : ۴۱۶/۴ ؛ الفهرست : ۸۰ / ۳۲۹ ؛ وانظر الفوائد الرجاليّة للفاضل الخواجوئي: ۲۰۳ .
4.رجال الطوسي : ۴۳۵ / ۶ .
5.الغيبة : ۲۴۵ .
6.عدّة الأُصول ۱ : ۳۸۱ .
7.الاستبصار ۳ : ۲۷۶ ، ح ۹۸۲ ، باب من طلّق امرأة ثلاث تطليقات .
8.الاستبصار ۱ : ۳۷۲ ، ح ۱۴۱۳ ، باب السهو في صلاة المغرب .
9.عدّة الأُصول ۱ : ۳۸۱ .
10.المصدر .
11.الفوائد الرجاليّة للفاضل الخواجوئي : ۲۰۳ .
12.ذخيرة المعاد : ۱۹۱ .
13.الدراية (الرعاية في علم الدراية) : ۱۸۹ .
14.انظر الفوائد الرجاليّة للفاضل الخواجوئي : ۲۰۳ .
15.تمهيد القواعد : ۳۰۱ ، القاعدة ۹۹ .
16.البقرة (۲) : ۲۸۲ .
17.الطلاق (۶۵) : ۲ .
18.حكاه في خلاصة الأقوال : ۲۱۲ / ۷ .
19.تعليقة الوحيد البهبهاني : ۱۰۳
20.روضة المتّقين ۱۴ : ۹۴ .
21.مجمع الفائدة والبرهان ۱۲ : ۶۸ .
22.النهاية في مجرّدالفقه والفتاوى: ۵۱۰ . وانظر المقنعة للشيخ المفيد: ۷۲۵ ، والوسيلة: ۲۳۰، والسرائر ۲ : ۱۱۷ .
23.الدراية : ۲۸ .
24.السرائر ۲ : ۴۴ .