رسالة في الشيخ البهائي - صفحه 471

[كلام المجلسي الأوّل في شرح المشيخة ]

وقال الفاضلُ المذكور في شرح مَشْيَخَةِ الفقيه :
محمّد بن الحسين بن عبد الصمَد المشتهر بِبهاء الدين العاملي الحارِثي الهمْداني من أولاد الحارِثِ الهمْداني الذي كان من خواصّ أميرالمؤمنين عليه السلام ذكره الشهيد الثاني في إجازته لأبيه ، وذكر جماعة من
أجداده ومدحهم ۱ ، شيخنا وأُستاذنا ومن استفدنا منه ، بل كان كالوالد المعظّم ، كان شيخ الطائفة في زمانه ، جليل القدر ، عظيم الشأن ، كثير العلم ، ما رأيتُ بكثرة علومه ووفور فضله وعلوّ رتبته ، له كتب نَفِيسَةٌ منها كتابُ الحبْل المتين ، وكتاب مَشْرق الشمسين .
بل هذا الشرح ۲ من فوائده ، فإنّي رأيته في النوم ، وقال لي : لِمَ لاتشتغل بشرح أحاديث أهلِ البيت صلواتُ اللّه ِ عليهم ؟ فقلت له : هذا شأنكم وأنتم أهله ، فقال : مضى زمانُنا ، واشتغلْ واتركْ المباحثات سنة حتّى يتمّ ، وكان بعد ذلك الرؤيا في بالي أن أشتغل بذلك .
ولمّا كانَ هذا أمراً عظيماً ما كنتُ أجترئ عليه ، حتّى حَصَلَ لي مرضٌ عظيمٌ ووصّيت فيه ، واشتغلتُ بالدعاء والتضرّع إلى اللّه تعالى أن يغفرَ لي ويذهبَ بروحي ، فأصابني حينئذٍ سِنَةٌ ، فرأيتُ سيّدَي شبابِ أهل الجنّة أجمعين قُدّامي جالسَين عندي ، وسيّد الساجدين فوق رأسي جالساً ، وأظهر أنّا جئنا لشفاعتك ، وقال سيّدُ الساجدين صلواتُ اللّه عليه : لا تطلبْ الموت ؛ فإنّ وجودَك أنفعُ ، فانتبهت من السِنَةِ ، وذهبَ الوجع بالكلّيّة ، وحَصَلَ العَرَق .
ثمّ حَصَلَ لي سِنَةٌ أُخرى ، فرأيتُ سيّدَ الأنبياء والمرسلين وأشرفَ الخلائقِ أجمعين قائماً في بيتي ، فأردتُ أن أُقبّلَ رجلَه فلم يَدَعْني ، فشرعتُ في مدائحه بأنّك الذي خَلَقَ اللّه ُ تعالى الكونين لأجلك ، وجعلك متخلّقاً بأخلاقه الكماليّة ، وجعلك أفضلَ من برأه اللّه ، وأنت العالمُ بعلوم اللّه ، والقادرُ بقدرة اللّه ، والمتخلّق بأخلاق اللّه ، وهو صلى الله عليه و آلهيتبسّم ويقول : كذلك ، وكانت المدائح كثيرةً اختصرتها .
ثمّ قلت : يا رسولَ اللّه اهدني لأقرب الطرق إلى اللّه تعالى ، فقال صلى الله عليه و آله : هو ما تعمل ، فقلت : يا رسول اللّه بأيّ شيء أعمل ، وكانَ مرادي أن أشتغل بالرياضات للوصول إلى اللّه أم بغيره ممّا يأمره صلوات اللّه عليه ، فقال صلى الله عليه و آله : اعمل بما كنت تعمل .
وكنتُ في هذه المقالات إذ قال صلى الله عليه و آله : جاء عليٌّ وفاطمةُ صلواتُ اللّه عليهما إلى عيادتك ، فأخذني البكاءُ والنحيبُ وقلتُ : أنا كلبهم ، أيّ مقدار لي حتّى تجيء ويجيئان إلى عيادتي! فانشقّ جدار البيت وظهرا ، وللدهشة انتبهت ، فبكيت كثيراً .
ثمّ حصل لي سِنَةٌ أُخرى ، فسمعْتُ أنّ سيّد المرسلين أرسل إليك من الجنّة ثمرةً وكباباً منها فدُفع إليّ أوّلاً سفافيدُ ۳ الكباب ، وكانت من الذهب ، وحولي جماعة كثيرة ، فآكُل من الكباب لقمة ويحصل مكانها أُخرى ، وأدفع إلى كلّ مَنْ في حولي من هذا الكباب ، وأقول لهم : إنّي كنت أقولُ لكم : إنّ سفافيدَ كبابِ الجنّة من الذهب ورأيتموها ، وقلت لكم : إنّ ثمرات الجنّة كلّما جُنِي منها ثمرة يُوجَدُ مكانها أُخرى ، وكلّما أدفعُ إليهم من الكباب وآكله لا يفنى الكباب .
ثمّ شرعتُ في الثمرة ، وكانت بقدر بطّيخ حلبي عظيم ، وآخُذ منها ورقةً ورقةً وآكلها ، وفي كلّ ورقة طعوم لاتتناهى وأقول لهم : كنت أقولُ لكم : إنّ ثمرةَ الجنّةِ كذلك ، وكلّما أدفعُ إليهم يَحْصَلُ منها ورقةٌ أُخرى ، فانتبهتُ من تلك الرؤيا ، وأوّلتها بالعلم ، وأُلهمتُ بأنْ أشتغلَ بشرحِ الأحاديثِ فاشتغلتُ بذلك ، ولمّا كانت الطَلَبة مشغولين بالدروس كنت أُدغدغ في ترك الدروس بالكلّيّة ، لكن حَصَلَ في التعطيلات التوفيقُ من
المنعِم الوهّاب ، وحسبتها كانت سِنَةً على ما قاله شيخنا البهائي .
ومات رحمه الله في شوّال سنة ثلاثين بعد الألف الهجرية في أصبهان ، ونقل إلى المَشْهدِ الرضَوي ودُفِن في داره جنبَ الروْضَة المقدّسةِ ، والآنَ يزار هناك ، وكان عمره بضعاً وثمانين سَنَة ، إمّا واحدًا أو اثنين ، فإنّي سألته عن عمره ، فقال : ثمانون أو ۴ أنقص بواحدة ، ثمّ توفّي بعده بسنتين .
وسَمِعَ قَبْل وفاته بستّة أشهر صوتاً من قبر بابا ركن الدين رضى الله عنه ، وكنتُ قريباً منه فَنَظَرَ إلينا وقال : سَمِعْتُم ذلك الصوت؟ فقلنا : لا ، فاشتغل بالبكاء والتضرّع والتوجّه إلى الآخرة ، وبعد المبالغة العظيمة قال : إنّه أخبرنا ۵
باستعداد الموت، وبعد ذلك بستّة أشهر تقريباً توفّي رحمه اللهوتشرّفتُ بالصلاة عليه مع جميع الطَلَبة والفضلاء وكثير من الناس يقربون من خمسين ألفاً ۶ .

1.بحارالأنوار ۱۰۵ : ۱۴۸ .

2.أي : روضة المتّقين .

3.السَّفود بالفتح كتنور : الحديدة التي يشوى بها اللحم ، والمعروف صيخ وميخ . مجمع البحرين ۱ : ۳۷۸ (سَفَدَ) .

4.كلمة «أو» غير موجودة في «د» .

5.في «د» : «أخبر» ، وفي روضة المتّقين : «إنّي أُخبرت» .

6.روضة المتّقين ۱۴ : ۴۳۴ .

صفحه از 534