رسالة في الشيخ البهائي - صفحه 475

[في وفاة التستري ]

قوله : «يقربون خمسين ألفاً» قال في شرح المشيخة في ترجمة مولانا عبد اللّه التستري : «وكان يوم وفاته بمنزلة العاشوراء ، وصلّى عليه قريب من مائة ألفٍ ، ولم نَرَ هذا الاجتماع على غيره من الفضلاء» ۱ انتهى .
وهو قد سكت عمّن صلّى عليه .
وعن تاريخ عالم آرا :
أنّه صلّى عليه السيّد الداماد ، وأنّه مرض يومَ الجمعة الرابع والعشرين من شهر محرّم الحرام سنة إحدى وعشرين وألف ، وعاده يوم السبت السيّد الداماد والشيخ لطف اللّه الميسي العاملي ۲ اللَذان كانا يناظرانه في المسائل العلميّة،ولمّا عاداه عانقهما وعاشرهما في غاية الفَرَحِ والسُرور.
ثمّ في ليلة الأحد السادس والعشرين من الشهر المذكور قريباً من الصبح بعد ما أقام صلاة الليل والنوافل خرج من البيت ليُلاحِظ الوقت ، فلمّا رَجعَ سَقَطَ ولم يمهله الأجل لِلمكالمة ۳ .

[ما كتبه الداماد إلى الفاضل التستري ]

قوله : «كانا يناظرانه في المسائل العلميّة» قال في رياض العلماء نقلاً .
واعلم أنّه وَقَعَ بين المولى عبد اللّه بن الحسين التستري وبين السيّد الداماد مشاجَرَة علميّة ، فكَتَبَ السيّد الداماد إليه هكذا :
جوابست اين نه جنكَست «رحم اللّه امرأً عرف قدره ولم يتعدّ طوره» نهايت مرتبه بى حيائيست كه نفوس معطّله وهويات هيولائيه در برابر عقول مقدّسه وجواهر قادسه ، به لاف وكَزاف ودعواى بى معنى برخيزند ، اين قدر شعور بايد داشت كه سخن من فهميدن ، هنر است ، نه با من جدل كردن و بحث نام نهادن ؛ چه معيّن است كه ادراك مراتب عاليه وبلوغ به مطالب دقيقه ، كار هر قاصر المدركى وپيشه هر قليل البضاعتى نيست .
فلا محاله مجادله با من در مقامات علمية از بابت قصور طبيعت خواهد بود ، نه از بابت خفّت طبع ، مشتى خفّاش منش كه احساس محسوسات را عرش المعرفه دانش پندارند وأقصى الكمال هنر شمرند با زمره ملكوتيين كه مسير آفتاب تعلّقشان بر مدار أنوار عالم قدسى باشد ، لاف تكافؤ زنند ودعواى مخاصمت كنند ، روا نبود و در خور نيفتد وليكن مشاكست وهم و عقل و معارضه باطل با حق وكشاكش ظلمت با نور ، منكريست نه حادث و بدعتيست نه امروزى ، وإلى اللّه المشتكى ، والسلام على من اتّبع الهدى .
وإذا أتتك مذمّتي من ناقصفهي الشهادة لي بأنّي كامل۴
خاقانى آن كسان كه طريق تو مى روند
زاغند زاغ را روش كبك از او رواست

گيرم كه مارچوبه كند تن بشكل مار
كو زهر بهر دشمن و كو مهره بهر دوست

وكتب المولى عبد اللّه في جوابه :
الجواب * جانا به زبان ما سخن مى گوئى «رحم اللّه امرأً عرف قدره» بدا به حال كسى كه من أُرسل إليه را از نفوس معطّله شمارد و دعوى اسلام كند ۵ .
أقول : إنّه ينافي ما كتبه السيّد الداماد إلى الفاضل التستري ما حكي من أنّ السيّد الداماد كان يتحمّل من ذلك الفاضل كثيراً ، واُنظر أيّها اللبيب أنّ الفاضل المسطور قد أعاد في الجواب ـ بأخصر كلام ـ تمامَ ما كَتَبَ إليه السيّدُ الداماد ، مع مَزِيد كلامٍ غليظٍ ، ولم يترتّب على الكتابة شيءٌ غير هَتْك العِرْض ، فهل ينبغي أنْ يجعلَ الشخصُ بنفسه عِرْضَة منهتكاً ، وليس هذا إلاّ من قلّة التحمّل ، ومفاسدُ قلّة التحمّل لا يُطيقها نِطاق البيان .
[نصائحُ ] وبالجملة ، فالغِلْظة في الكلام توجب كسْرَ سورةِ الشخص ومَزِيدَ الجُرأة للطَرَف المقابل ، فمن خاف يُخاف كما هو مقتضى بعض الأخبار ۶ ، وفي الديوان المنسوب إلى أميرالمؤمنين عليه السلام :
ومن هاب الرجالَ تَهيبوه ومن يُهِن الرجالَ فلن يُهابا۷
ولا ريبَ أنّ لسانَ شخصٍ أو قلمَه لا يتقاصرُ عن لسانِ غيره ممّن يوازنه ـ ولو بحسب الصورة ـ أو قلمِه ، فبكلِّ ما يتكلّم شخصٌ أو يكتبُ يجيبُ آخرُ ويكتبُ ، بل من كان شأنه أدنى من الشخص لا يسكتُ أيضاً في مقام الجواب بلا ارتياب .
وعلى هذا المنوال حال الكتابة ، بل الشخص كلّما كان شأنه أرفعَ تكون المعارضة معه أعزَّ وألْأمَ مع النفس ، بل الشخصُ المتعزّز يكون بمنزلة لقمة لطيفةٍ يَطْلُبُ افتراسها الإنسانُ المفطورُ على السبعيّة .
وإنّما الدنيا دارُ مِحْنة وأيّ مِحْنَة ، ولابدّ من التحمّل والصبر الجميل ، بل الشخص ۸ لابدّ من التحمّل ۹ والصبْر بإعداد من يعاشره ويعرفه ويصل إليه اسمه وصِيْتَه ؛ لكون الكلِّ مفطوراً على الشرارة ، فربّما يصل إلى شخص في المشرق اسمُ شخصٍ آخر في المغرب ويعاند الأوّل للثاني ، وجهةُ المعاندة أنّ الإنسانَ من جهة شدّةِ الطغيانِ يُريدُ التفرّدَ على وجه الأرض ، فلمّا سَمِعَ بوجود شخصٍ يوازنه على وجه الأرض ، يجري في مقام دَفْعه وهَتْكه .
وأكثرُ ما يتّفق هذا في أرباب العلم ؛ حيث إنّ مقرَّ العالِم هو القلوب ، وأفراده وأزواجه يزاحمونه في جميع الأصقاع ، فالعالِم يميلُ إلى انتفاء جميعِ الأفراد والأزواج في الأصقاع ، وانحصارِ الأمر فيه ، وكلّ واحد من الأفراد والأزواج يريد انتفاءه .
فلابدّ للعالِم من تصفية النفس ، وكفّ النفس عن الأذى ، وتفويض الأمر إلى اللّه سبحانه ، والعلْمِ بأنّه لا يصيبه إلاّ ما كتب اللّه له ، وتحمُّلِ ما يصيبه من الأفراد والأزواج .
وأمّا من عدا العالم فليس حاله على هذا المنوال ؛ مثلاً التاجر يكون أمره على حَسَب تجارتهِ بمالهِ ، ولا يزاحم عن تجارته تاجراً آخر غالباً إلاّ في صورة خيال الإمارة على من عداه ، ولا صعب أصعب من الحِلم .
ويرشد إليه ما ذكر من أنّ اللّه سبحانه لم يصف من الأنبياء السابقين بالحلم إلاّ
إبراهيم ۱۰ وإسماعيل ۱۱ .
وكذا ما عن النبيّ صلى الله عليه و آله من أنّ حلم آدمَ ـ على نبيّناو عليه السلام ـ كان راجحاً على حِلْم جميعِ أولادهِ ۱۲ ، ومع هذا قال اللّه سبحانه : «وَ لَمْ نَجِدْ لَهُو عَزْمًا»۱۳ .
ولا تورِث قلّةُ التحمُّل إلاّ الأذى وتطرُّقَ العصيان ، وإنّ اللّه عزّوجلّ يقول : «وَ جَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ»۱۴ فقد جعل كلَّ واحدٍ من آحادِ الناس سببَ الافتتان للآخر .
وأيضاً جعل اللّه سبحانه كلّ واحد من الآحاد عدوّاً لغيره بمقتضى قوله سبحانه : «اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعَام بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ»۱۵ بناءً على كون الخِطاب لآدم عليه السلاموحوّاء خطاباً لذرّيّتهما بخطابهما لكونهما أصلَيِ الذرّيّة ، لا كونِ الخطاب لآدمَ عليه السلاموإبليسَ ، ولعلّ الأوّل ظاهر البيضاوي ۱۶ .
وأيضاً الأولاد والأزواج أعداء الشخص بمقتضى قوله سبحانه : «إِنَّ مِنْ أَزْوَ جِكُمْ وَ أَوْلَـدِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ»۱۷ بناءً على كون «مِن» زائدة كما لعلّه الأظهر ، لا للتبعيض ، وقد حرّرنا الكلام فيه في الأُصول في ذيل العدالة عند جمع الآيات الدالّة على الحثّ على العفو وحُسْنِ المعاشرة .
وليس المقصود هو الممانعةَ عن العبادة ونيلِ الأُجور الأُخروية ؛ قضيّةَ قوله
سبحانه : «وَ إِن تَعْفُواْ وَ تَصْفَحُواْ»۱۸ وقضيّةَ التعرّض للممانعة بعد تلك الآية في قوله سبحانه : «إِنَّمَآ أَمْوَ لُكُمْ وَ أَوْلَـدُكُمْ فِتْنَةٌ»۱۹ .
ومع ذلك خَلَقَ اللّه سُبْحانه الروح في غاية اللطافة ، فلا مَخْلص ولا مَحيص عن التحمّل في آنٍ من الأوان ، وإلاّ فيُقْدِم الشخصُ بنفسه على هلاكته ؛ لشدّة ألمِ الغضبِ في كثيرٍ من الأحيان ، ولا سيّما مع التكرّر والوقوع كلّ آن ، خصوصاً مع شدّة لطافة الروح ، كيف وإكثار المشي بالأقدام على الأحجار يوجبُ نُعُومتها كما هو المشاهَدُ بالعيان ، بل تقاطرُ قطرات الماء على الدوام قد أوجَبَ التعميقَ في بعض الجبال ، ومع ذلك سماءُ خَيال الأداني المعارضةُ مع الأعالي .
ومن البيّن أنّ الإنسانَ لا يتقاعدُ عن سماء خَياله ، فالعالي دائماً في مِحَن معارضات ۲۰ الأداني ، ولو لم يتحمّل لا يبقى له عزّ ؛ بل عموم النفوس مفطور على الشرارة ، ولو بنى على عدم التحمّل ، لما أمكنت المعاشرة مع العيال والأولاد والخدّام ، فيلزم الهلاكةُ أو السكونُ في الجبال ، بل السكونُ في الجبال لا يوجبُ راحةَ البال ؛ لما في الأخبار من أنّه إذا سَكَنَ المؤمن في الجبال ، يخلق اللّه سبحانه من يؤذيه ۲۱ ، فلا مناص ولا خلاصَ إلاّ بإلقائه نطاقَ التحمّل ، ۲۲ وواشدّتا ثمّ واشدّتا من شرور هذا العصر ، ولا سيّما هذا المصر .
وما ذَكَرَه الفاضلُ أوّلُ المجلسيَّين في ترجمة الفاضل التستري :
(أنّه يمكن القول بأنّ انتشار الفقه والحديث كان منه ، وإن كان غيره موجوداً ، لكن كان لهم الأشغال الكثيرة ، وكان مدّة درسهم قليلة ،
بخلافه ، فإنّه كان مدّة إقامته في إصفهان قريبةً من أربع عشرة سنة) ۲۳ وأنّه عندما جاء بإصبهان لم يكن فيه من الطلبة الداخلة والخارجة خمسون ، وكان عند وفاته أزيدَ من ألفٍ من الفضلاء وغيرهم ۲۴ .

1.روضة المتّقين ۱۴ : ۳۸۲ ؛ وانظر روضات الجنّات ۷ : ۷۸ .

2.قال في أمل الآمل ۱ : ۱۳۶ : «وكان البهائي يعترف له بالعلم والفضل والفقه ويأمر بالرجوع إليه» .

3.تاريخ عالم آرا ۲ : ۸۵۹ ، ونقله عنه في رياض العلماء ۳ : ۲۰۳ .

4.البيت للمتنبّي ، انظر كشكول البحراني ۳ : ۱۱۳ .

5.رياض العلماء ۳ : ۲۰۴ .

6.اُنظر وسائل الشيعة ۱۲ : ۹ ، أبواب أحكام العشرة ، ب ۲ ؛ ومستدرك الوسائل ۸ : ۳۱۵ ، أبواب أحكام العشرة ، ب ۲ .

7.الديوان المنسوب لأميرالمؤمنين : ۲۰ .

8.كذا ، والظاهر زيادتها .

9.في «د» : «التجهيز» .

10.هود (۱۱) : ۷۵ .

11.الصافّات (۳۷) : ۱۰۱ .

12.الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور ۵ : ۶۰۳ .

13.طه (۲۰) : ۱۱۵ .

14.الفرقان (۲۵) : ۲۰ .

15.طه (۲۰) : ۱۲۳ .

16.اُنظر أنوار التنزيل للبيضاوي ۲ : ۶۰ .

17.التغابن (۶۴) : ۱۴ .

18.التغابن (۶۴) : ۱۴ .

19.التغابن (۶۴) : ۱۵ .

20.في «د» : «بمعارضات» .

21.علل الشرائع : ۴۴ ، ح ۲ ؛ وسائل الشيعة ۱۲ : ۱۲۳ أبواب أحكام العشرة ، ب ۸۵ ، ح ۹ .

22.«و» غير موجودة في «د» .

23.مابين القوسين ليس في «ح» .

24.روضة المتّقين ۱۴ : ۳۸۲ .

صفحه از 534