رسالة في الشيخ البهائي - صفحه 483

[كلام المجلسي الأوّل ]

وقال الفاضل أوّلُ المجلسيين في شرح الفقيه أيضاً :
إنّي كنتُ في أوائل البلوغ طالباً لمرضاة اللّه تعالى ، ساعياً في طلب رضاه ، ولم يكن لي قرار إلاّ بِذكْره تعالى ، إلى أن رأيتُ بين النومِ واليقظةِ أنّ صاحبَ الزمان صلواتُ اللّه عليه كان واقفاً في الجامع القديم في إصبهان قريباً من باب الطبني ۱ الذي الآنَ مَدْرَسي ، فسلّمتُ عليه وأردت أن أُقبّل رِجْلَه عليه السلام فلم يَدَعْني ، وأَخَذَني فقبّلتُ يدَه ، وسألت منه ـ صلواتُ اللّه عليه ـ مسائلَ قد أشكلت عليّ ، منها : أنّي كنتُ أوسوسُ في صلاتي ، وكنتُ أقول : إنّها ليست كما طُلِبَتْ منّي وأنا مشتغل بالقضاء ، ولا يُمْكنني صلاةُ الليل ، وسألت عنها شَيْخَنا البهائي ـ رحمه اللّه تعالى ـ فقال : صلِّ صلاة الظهر والعصر والمغرب بقصد القضاء وصلاة الليل ، وكنت أفعل هكذا .
فسألت من الحجّة ـ صلواتُ اللّه عليه ـ : أُصلّي صلاة الليل؟ فقال ـ صلواتُ اللّه عليه ـ : «صلّها ولا تفعلْ كالمصنوعِ الذي كُنْتَ تفعلُ» . إلى غير ذلك من المسائل التي لم تبقَ في بالي .
ثمّ قلتُ : يا مولاي لا يتيسّر لي أنْ أصِلَ إلى خِدْمَتِك كلَّ وقتٍ ، فأعْطِني كتاباً أَعْمَلُ عليه دائماً .
فقال ـ صلواتُ اللّه عليه ـ : «أعطيتُ لأجْلِك كتاباً إلى مولانا محمّد التاج» وكنت أعْرِفُه في النوم ، فقال ـ صلوات اللّه عليه ـ : «رُحْ وخُذْ منه» فخرجتُ من باب المسجدِ الذي كان مقابلاً لوجهه صلواتُ اللّه عليه إلى جانب دار البطيخ محلّة من إصبهان ، فلمّا وصلتُ إلى ذلك الشخصِ ، فلمّا رآني قال : بعثك الصاحبُ إليّ ؟ قلتُ : نعم ، فأخرج من جيبه كتاباً قديماً ، ففتحته فظهر لي أنّه كتاب الدعاء ، فَقَبّلتُه ووضعتُه على عيني وانصرفتُ عنه متوجّهاً إلى الصاحب صلواتُ اللّه عليه ، فانتبهت ، ولم يكنْ مَعي ذلك الكتاب ، فشرعتُ في التضرّع والبُكاء والجوار ۲ لفوت ذلك الكتاب إلى أن طَلَعَ الصبْحُ .
فلمّا فرغتُ من الصلاة والتعقيب ، وكان في بالي أنّ مولانا محمّد هو الشيخ ، وتسميتُه بالتاج لاشتهاره من بين العلماء ، فلمّا جئتُ إلى مَدْرَسِه ـ وكان في جوار المسجد الجامع ـ فرأيتُه مشتغلاً بمقابلة الصحيفة ، وكان القارئ الأميرَ الصالح أمير ذوالفقار الجربادقاني ، فجلستُ ساعةً حتّى فرغ منه .
والظاهر أنّه كان في سَنَدِ الصحيفة ، لكن للغمّ الذي كان لي لم أعرف كلامه وكلامهم ، وكنت أبكي ، فذهبتُ إلى الشيخ وقلتُ له رؤياي وأنا أبكي لفوتِ الكتابِ ، فقال الشيخ : أبْشِرْ بالعلوم الإلهية ، والمعارف اليقينية التي كُنتَ تَطْلُبُ دائماً ؛ وكان أكثر صُحْبتي مع الشيخ في التصوّف ، وكان مائلاً إليه فلم يسكنْ قلبي .
وخَرَجْتُ باكياً متفكّراً إلى دار البطيخ رأيت رجلاً صالحاً كان اسمه
آقا حسن ، ويلقّب ب«تاجا» فلمّا وصلتُ إليه وسلّمْت إليه ۳ ، قال : يا فلان الكتبُ الوقفيّةُ التي عِنْدي كلّ من يأخذه من الطلبة لا يَعْمل بشرطِ الوقف ، وأنت تعملُ بها ، تعالَ واُنظر إلى هذه الكتب وكلّ ما تحتاج إليه خذْه ، فذهبتُ معه إلى بيت كتبه ، فأعطاني ـ أوّل ما أعطى ـ الكتاب الذي رأيته في النوم ، فشرعتُ في البكاء والنحيب ، وقلتُ : يكفيني ، وليس في بالي أنّي ذكرتُ له النوم أم لا ، وجئت عند الشيخ وشرعتُ في المقابلةِ مع نسخة كتبها جدُّ أبيه من نسخة الشهيد . إلى آخر كلامه ۴ .
وقال في شرح المشيخة أيضاً :
واعلم أنّ الأئمّة يتكلّمون في كلّ شيء ـ سيّما في المثوبات والعقوبات ـ على حَسَبِ عقولِ الرجال ، كما وَرَدَ في الزيارات ، ففي بعض الأخبار أنّ له ثوابَ عمرةٍ ، وفي بعضها حَجَّة ، وفي بعضها حَجَّةٌ وعمرة ، وفي بعضِها عشرون حَجَّة وعُمْرة ، وفي بعضها مائة حَجَّة وعُمْرة ، وفي بعضها ألف حَجَّة ، وفي بعضها ألف ألف حجّةٍ ، وفي بعضِها ضِعْفها ۵ ، وهو بِحَسَبِ اختلاف الأشخاص والنيّات والعقائد والمعارف غالباً ، وكثيراً مّا يكون بحسب أحوال المخاطبين ، فإنّهم لو سمعوا المثوبات الكثيرة ، لبادَرَتْ عقولهم بالإنكار ، وهو الكفر ، وهو في أكْثرِ العالمين كذلك ، فيتكلّم الأئمّةُ ـ صلواتُ اللّه عليهم ـ بحَسَبِ عقولِهم الضعيفة ، ويقولون لَهُم أقلَّ مراتِبها ، وهو حقٌّ ، فيقع ۶ أكثر الأخبار هكذا .
فإذا سمع المشايخُ من جماعةٍ من الخواصّ المثوباتِ العظيمةَ ، فإنْ
لم يكن له قوّة التمييز ۷ بادَروها بالإنكار والغلوّ ، كما وقع لي مع بعض المشايخِ الأجلاّءِ في مثوباتِ إطعامِ المؤمنِ ، فإنّه قال في الدرس : إنّا نعلَم قطعاً أنّ أمثالَ هذه الأخبار كاذبة ؛ فإنّه وَرَدَ أنّ ثواب إطعام المؤمن ألف ألف حَجّةٍ ۸ ، فحينئذٍ لا يبقى للحَجَّة مقدار .
فذكرتُ أنّه لا يمكنُ إنكار ۹ هذه الأخبار ؛ فإنّها متواترة معنىً ، وقلتُ : أنتم تروون أنّ ضربةَ عليّ عليه السلامأفضلُ من عبادة الثقلين إلى يوم القيامة ۱۰ وتعتقدونه ، ولا شكّ أنّ ذلك لسبب علوّ شأنهِ عليه السلام ، بل كلّ فعلٍ من أفعاله كذلك ، وكذلك كلّ واحدٍ من الأئمّة صلواتُ اللّه عليهم بالنظر إلى غيرهم ، فأيّ استبعاد في أن يكونَ ثوابُ خُلَّصِ أوليائِهم كذلك،كما وَقَعَ في إطعام المسكين ۱۱ واليتيم والأسير هذه المثوباتُ العظيمة ، وكانت فضّة الخادمة فيهم ، مع أنّه فرقٌ بين الثواب الاستحقاقي والتفضّلي كما تقولون دائماً .
فاستحسنَ كلامي ولم يتكلّم بعدَه بما كان يتكلّم قبلَه ، وهو شيخُنا الأعظمُ بهاءُ الملّة والدين رضي اللّه تعالى عنه ، وكان إنصافُه فوق أنْ يوصَف ، مع أنّي حين تكلّمت بذلك كنتُ أصغرَ تلامذتِه وأحقرَهم ، ومظنونٌ ۱۲ أنّي لم أكن إذ ذاك بالغاً ، وكثيراً مّا كان يَرْجعُ عن اعتقادِه بقولي وقول أمثالي .
وفي ذلك الزمان كان يحضر أكثر فضلاء العصر في مجلسه العالي ، مع أنّ
إسكاتى كان في غايةِ السهولةِ لكثرة تبحّره في جميع العلوم ، ونشاهد في أبناء الزمان ما نشاهد ، أصلح اللّه أحوالنا وأحوالهم بجاه محمّد وآله الطاهرين ۱۳ .
وإنّما نَقَلْنا من عبارات شرح المَشْيَخَةِ ما يزيد عن محلّ الحاجة ؛ لاشتمالِ الزائدِ على الفائدة .
وقال في شرحِ المشيخةِ أيضاً :
وكان يذكُرُ شيخنا البهائي ـ رضي اللّه عنه ـ أنّ عندنا كتابَ مدينةِ العلمِ ، وهو أكبر مِنْ «مَنْ لايَحْضُره الفقيه» ، وذَكَرَ أبوه في الدراية أنّ أُصولَنا خمسة : الكتب الأربعةُ ، وكتابُ مدينة العلم ، لكنّه لم نَرَهُ ، والظاهر أنّه كان عندهما وضَاع كما ضَاع أكثرُ كتبهِما ، وكان يذكر كثيراً أنّ كتبي ألفُ كتابٍ تقريباً ، وبعد فوته ظهر منها قريبٌ من سبعمائة كتابٍ ۱۴ . انتهى .

1.في روضة المتّقين : الطنبي .

2.في الحديث : «لاأعلم أنّ في هذا الزمان جهادا إلاّ الحجّ والعُمْرَة والجوار» وفسّرت بالاعتكاف كما صرّح به ابن الأثير في النهاية ، ومنه «فلمّا قضيتُ جواري» أي اعتكافي . انظر مجمع البحرين ۱ : ۴۲۶ (جور) .

3.كذا في النسخ ، والأنسب : «عليه» .

4.روضة المتّقين ۱۴ : ۴۱۹ ـ ۴۲۰ .

5.اُنظر وسائل الشيعة ۱۴ : ۴۰۹ ، أبواب المزار ومايناسبه ، ب ۳۷ و ۳۸ ؛ ومستدرك الوسائل ۱۰ : ۲۶۵ ، أبواب المزار ، ب ۳۳ ؛ وكامل الزيارات : ۱۵۵ ـ ۱۵۸ .

6.في «د» : «ينفع» .

7.في «د» : «التميز» .

8.اُنظر وسائل الشيعة ۶ : ۳۲۸ ، أبواب الصدقة ، ب ۴۷ ؛ ومستدرك الوسائل ۷ : ۲۴۷ ، أبواب الصدقة ، ب ۴۳ .

9.في «د» زيادة : «أمثال» .

10.كشف اليقين في فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام: ۸۳.

11.في «د» : «المساكين» .

12.في «د» : «مظنوني» .

13.روضة المتّقين ۱۴ : ۴۰۴ .

14.روضة المتّقين ۱۴: ۱۵، وانظر وصول الأخيار إلى أُصول الأخبار لوالد البهائي: ۸۵ .

صفحه از 534