[كلام السيّد علي خان في حقّ البهائي ]
وقال الفاضل السيّد علي خان في فاتحة شرح الصَمَدية مع تلخيص مقالته :
هو الإمام ، الفاضل ، المحقّق ، النحْرير ، المحدّث ، الفقيه المجتهد ، النحوي الكبير ، مالك أزمّة الفضائلِ والعلوم ، مُحْرِز قَصَبات السَبْق في حَلَبتي المنطوقِ والمفهوم،شيخ العلم وحامل لوائه ، بدر الفضل و كوكب سمائه ، أبو الفضائل بهاء الدين محمّد بن الشيخ عزّ الدين حسين بن الشيخ عبد الصمد بن الشيخ الإمام شَمْس الدين محمّد بن عليّ بن حسن بن محمّد بن صالح الجُبعي العاملي الحارِثي الهمْداني رحمه اللّه تعالى .
مولده عند غروب الشمس يوم الأربعاء سابع عشر ذي الحجَّة الحرام سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة،هكذا نقلته من خطّ والده رحمه اللّه تعالى.
وكان قد سلك في أوائل عمره نَهْجَ السياحة ، واتّخذ الفَقْرَ دِرْعَهُ وسلاحَه ، فطَوى الأرضَ وذرع منها الطول والعرض ، فكان مدّةُ سياحتهِ
ثلاثينَ سنة ، لا يلتذّ بنومٍ ولا تَطيبُ له سِنَةٌ إلى أن قامَ ببلاد العجم تابعاً لسُلطانِها ، راقياً من المكانة أرفعَ مكانها ، ولم يزل مشوَّش البال ، كثير الهمّ والبلبال ، آنفاً ۱ من الانحياش إلى السلطان ، مؤثراً للغُرْبة على الاستيطان ، يأمل العود على السياحة ، ويرجو الإقلاع عن تلك الساحة ، رغبة عن دار الفناءِ في دار البقاء ، فلم يُقدَّر له .
وحكى لي بعض أجلاّء الأصحاب أنّ الشيخ رحمه الله قَصَدَ زيارةَ المقابِر قبلَ وفاته بأيّامٍ قلائلَ في جمعٍ من أصحابه ، فما استقرّ بهم الجلوس حتّى قال لهم الشيخ : أسَمِعْتم ما سَمِعْتُه؟ قالوا : ما سمعنا شيئاً ، وسألوه عمّا سَمِعَهُ فلم يُجبهم ، ورجع إلى داره فأغلق بابَه ، فلم يَلبث وانتقل من دار الفناء إلى دار البقاء ، ولم يُخْبرْ أحداً ما سَمِعَه .
وكانت وفاته ثاني عشر شوّال سنة إحدى وثلاثين وألف بإصبهان ، ونُقل قبل دفنه إلى طوس ، فَدُفِنَ بها في دارِه قريباً من الحَضْرَةِ الرضويّة على صاحبِها أفضلُ الصلاةِ والسلامِ والتحيّة .
والجُبَعي ـ بضمّ الجيم ، وفتح الباء الموحّدة ، وعينٍ مُهْملة مكسورة ـ : نسبةٌ إلى جُبَع ، وهي قرية من قرى جبل عامل .
والعامِلي ـ بفتح العين المُهْملة ، وبعدها ألف وميم مكسورة ـ : نسبة إلى جبل عامل قطْرٌ بأرض شام باعتبار إقامته بها مدّة ، وإلاّ فمولده بَعْلبك على ما سُمع . وعامل أحد أولاد سبأ ، أقام بهذا القُطْرِ بُرْهَة ، فنُسب إليه .
والحارثي نسبة إلى أبي زهير الحارث بن عبد اللّه الأعور الهمْداني ، لكون نسبة المصنّف ـ يعني شيخنا البهائي ـ ينتهى إليه ، كان من أصحاب أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام .
والهمداني نِسْبَةٌ إلى همْدان بسكون الميم قبيلة من اليمن .
ومن تصانيفه التفسير المسمّى بالعروة الوثقى ، والتفسير المسمّى بعين الحياة ، والحبلُ المتين ، ومشرق الشمْسين ، وشرح الأربعين ، والجامع العبّاسي الفارسي ، ومفتاح الفلاح ، والزبدة في الأُصول ، والرسالة الهلالية ، والاثنا عشريات الخمس ـ وأجْوَدُهنّ الصلاتيّة ثمّ الصوميّة ـ وخلاصة الحساب ، والمخلاة ، والكشكول ، وتشريح الأفلاك ، والرسالة الأُسطرلابية ، وحواشي الكشّاف ، وحاشية على البيضاوي ، وحاشية على خلاصة الرجال ، ودراية الحديث ، والفوائد الصَمَدية في علم العربية ، والتهذيب في النحو ، وحاشية الفقيه ، وله غير ذلك من الرسائل المختصرة والفوائد المحرّرة ۲ .
قوله : «ولم يزل مُشَوَّش البال ، كثيرَ الهمّ والبلبال» لعلّ شيخَنا البهائي كان همُّه أكثرَ مِنْ همّ مَنْ عداه ، وإن كانت الدنيا مخلوقة من الهمّ وفيها يتقاطر قطرات الهمِّ من سحاب الهموم ، وكان غيره من العلماء أيضاً كثير الهمّ كما تنادي به كلماتهم في أوائل كتبهم .
ووجه الأكثرية أنّه لم يُعْرف من الغير في غيره الشهادةُ على كثرة الغموم ، ومقتضى العبارة المذكورة كثرةُ هموم الشيخ ، وهو مقتضى ما يأتي من الرباعي من السيّد الداماد ، وإن أضاف بالرباعي الهمّ على الهموم ، بل هو بنفسه قد ذكر في أوّل شرح الاثني عشريّة لصاحب المعالم ، وكذا في أوّل رسالة نسبةُ أعظم الجبال إلى قطر الأرض توزُّعَ البال واختلالَ الحال لأُمور توجب للطبع كَلالاً وللنفس من الحياة ملالاً .
والظاهر أنّ ملالة النفس من الحياة لم تَتَّفِقْ في شكاية غيره ، وقد ذكر في أوّل لُغزه المعروف عذراً للألفاظ ۳ أنّه يعرض للبال في بعض المحالّ ملالٌ يَمْنَعُ عن
مطالعةِ العلوم الدينيّة ، وكلالٌ يردع عن مزاولة الأعمال الأُخروية ، فيضطرّ الإنسان إلى تطييب الدماغ بلطائف المداعبات ، وترويح الروح بطرائف المطائبات ، تشحيذاً للخاطر المحزون ، وتمشيطاً للقلب المسجون ، وحقيقٌ لمن تراكمت عليه أفواج الهموم ، وتلاطمت لديه أمواج الغموم أن يتشاغل بمذاكرة إخوان الصفاء ، ومفاكرة خُلاّن الوفاء ، ولعلّ إظهار بلوغ الهمّ إلى أن احتاج إلى المعالجة لم يتّفق في كلام غيره .
قوله : «أجودهنّ الصلاتيّة» وفي الأمل أنّها عجيبة ۴ كما يأتي ، وقد نظمها والد صاحب الحدائق كما ذكره في اللؤلؤة في ترجمة والده أحمد بن إبراهيم ۵ ، وفي اللؤلؤة أنّه شرحها السيّد نور الدين أخو صاحب المدارك كما في إجازته لبعضٍ ۶ ، والإجازة مذكورة في جلد إجازات البحار ۷ وكما في اللؤلؤة ۸ .
قوله «ثمّ الصوميّة» وفي الأمل أنّه شرحها حسام الدين بن جمال الدين بن طريح النجفي ۹ ، وفي الأمل أيضاً :
أنّ الحسين بن موسى الأردبيلي ساكن استراباد كان فاضلاً فقيهاً صالحاً معاصراً لشيخنا البهائي له كتبٌ منها شرحُ الرسالةِ الصوميّة للبهائي ، وهو قبل الإتمام سَمِعَ بوفاة المصنّف ۱۰ .
وللسيّد المذكور كلام في سلافة العصر يُشبه كلامه في شرح الصمدية ، ولكن قد جعل شيخنا البهائي في كلامه في السلافة مجدّدَ المذهب الاثني عشري على
رأس القرْنِ الحادي عشر ، وقد حكى بعضَ مكاتيبه وطائفةً من أشعاره ۱۱ .
وفي آخر شرح الصمدية للسيّد المذكور :
أنّه كان الفراغ من تسويد الأصل ضَحْوةَ يوم الاثنين سابعَ شهر شوّال ، سنة خمس وسبعين وتسعَمائة ، ومن محاسن الاتّفاقات أنّ سابع شهر شوّال هو تاريخ الإتمام ، وقد نظمه رحمه الله فقال :
بسابع شهر شوّال جنينا وَرد أكمامه وسابع شهر شوّال غدا تاريخَ إتمامه۱۲
1.في «ح» : «تابعاً» بدلاً عن «آنفاً» .
2.الحدائق النديّة في شرح الصمدية : ۴ .
3.في «ح» : «للألغاز» .
4.أمل الآمل ۱ : ۱۵۵ .
5.لؤلؤة البحرين : ۹۵ .
6.لؤلؤة البحرين : ۴۲ .
7.بحار الأنوار ۱۰۷ : ۲۵ .
8.لؤلؤة البحرين : ۴۲ .
9.أمل الآمل ۲ : ۵۹ / ۱۵۱ .
10.أمل الآمل ۲ : ۱۰۴ / ۲۸۷ .
11.سلافة العصر : ۲۸۹ ـ ۳۰۲ .
12.الحدائق النديّة في شرح الصمدية : ۵۸۳ .