رسالة في الشيخ البهائي - صفحه 506

[كلام لؤلؤة البحرين في البهائي ]

وقال في اللؤلؤة بعد قطعة من الكلام في الحارِثي بعد الكلام في نَسَب شيخنا البهائي :
وكان هذا الشيخ علاّمةً فهّامةً محقِّقاً ، دقيقَ النظر ، جامعاً لجميع العلوم ، حَسَنَ التقرير ، جيّدَ التحريرِ ، بديعَ التصنيفِ ، أنيقَ التأليفِ حتّى قال في
كتاب سلافة العصر بعد الإطراء عليه : «وما مَثَله ومَن تقدّمه من الأفاضل والأعيان إلاّ كالملّة المحمّديّة المتأخّرة عن الملل والأديان جاءت آخراً ففاقت مفاخراً» انتهى ۱ .
وكان رئيساً في دار السلطنة إصفهانَ ، وشيخَ الإسلام فيها ، وله مَنْزِلة عظيمة عند سلطانها الشاه عبّاس ، وله صنّف كتاب الجامع العبّاسي ، وربّما طُعِنَ عليه بالقول بالتصوّف؛ لما يُتراءى من بعض كلماته وأشعاره.
والحقّ في الجواب عن ذلك ما أفاده المحدّث العلاّمة السيّد نعمة اللّه الجزائري التستري قدس سره من أنّ الشيخ المذكور كان يعاشرُ كلَّ فرقةٍ وملّةٍ بمقتضى طريقتهم ودينهم وملّتهم وما هم عليه، حتّى أنّ بعض علماء العامّة ادّعى أنّه منهم ، قال السيّد المذكور : «فأظهرت له كتاب مفتاح الفلاح وكان معي فعجب من ذلك» وذَكَرَ جملةً من الحكايات المؤيِّدة لما ذَكَره ، ثمّ استدلّ بقوله في قصيدته التي في مدح القائم عجّل اللّه فرجه :
وإنّي امرؤ لا يُدْرِكُ الدهرُ غايتي ولا تصل الأيدي إلى سبر أغواري
أُخالطُ أبناء الزمانِ بمقتضى عقولهمُ كَيْلا يفوهوا بإنكاري
وأُظْهِرُ أنّي مثلهم تستفزّني صروف الليالي باختلاء وإمراري۲
وطَعَنَ عليه بعض مشايخنا المعاصرين أيضاً بأنّ له بعضَ الاعتقادات الفاسدة كاعتقاد أنّ المكلّف إذا بذل جُهْدَه في تحصيل الدليل فليس عليه شيء إذا كان مخطئاً في اعتقاده ولا يخلّد في النار وإن كان بخلاف أهل الحقّ .
قال : وهو باطل قطعاً ؛ لأنّه على هذا يلزم أن يكون علماء أهل الضلال ورؤساء الكفّار غير مخلّدين في النار إذا أوصلتهم شبههم وأفكارهم الفاسدة إلى ذلك من غير اتّباع لأهل الحقّ كأبي حنيفة وأحزابه ۳ . ۴
أقول : وعندي فيه نظر ؛ إذ يمكنُ أن يُقال : لا نسلّم أنّ علماء أهل الضلال قد بذلوا الجُهْدَ في طلب الحقّ ولم يقفوا عليه حتّى يتمّ الإيراد بهم كما توهّمه قدس سره ، سيّما واللّه تعالى يقول : «وَ الَّذِينَ جَـهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا»۵ فإنّا نقول : يجوز أن يكون منهم من لم يبذل الجهد ، وإنّما جَمَدَ على بعض الأسلاف عصبيّةً ، ومنهم من بذل الجُهْدَ وظهرَ له الحقُّ ، ولكن يحبُّ الجاه والدولة والسلطان ؛ حيث إنّ ذلك في جانبهم قادته يَدُ الشقَاوة إلى الحميّة والبقاء ، ولذلك قيل : لا يكون العالم سنّياً بل السنّي عالماً .
وإلى ما ذكرنا يشير تصريح جملة من علمائهم ـ كما أوضحناه في كتاب سلاسل الحديد ـ بمخالفه جملة من السنن النبويّه من طرقهم ؛ لأنّ الشيعة ملازمة عليها كمسألة تسطيح القبور ونحوها ، ومن المعلوم أنّ من بَذَلَ وُسْعَه في تحصيل الدليل ولم يهتدِ إليه فهو معذور [عقلاً ونقلاً] ۶ .
ولكنّا نقول: هؤلاء المخالفون ونحوهم ليسوا كذلك ، بل حالهم لا يخلو عن أحد الأمرين المذكورين ، كما أوضحناه في صدر كتابنا الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب ، فلا يرد ما أورده شيخنا المذكور ۷ .
ثمّ ساق الكلام في بيان تصانيف شيخنا البهائي بما تقدّم من الأمل ۸ فقال :
وكان مولد شيخنا المذكور ببعلبكّ غروب الشمس يوم الخميس لثلاث عشرة بقين من شهر المحرّم السنة الثالثة والخمسين والتسعمائة ، وتوفّي لاثنتي عشرة خَلَوْنَ من شوّال السنة الحادية والثلاثين بعد الألف ، وقيل : سنة الثلاثين بعد الألف ۹ .
وفي اللؤلؤة في ترجمة الصدوق :
وجدتُ بخطّ شيخِنا الشيخ أبي الحسن سليمان بن عبد اللّه البحْراني ما صورته ؛ قال : أخبرني جماعة من أصحابنا قالوا : أخبرنا الشيخ الفقيه المحدّث سليمان بن صالح البحراني قال : أخبرني العالم الربّاني الشيخ عليّ بن سليمان البحراني قال : أخبرني الشيخ العلاّمة البهائي قدس سره وقد سئل عن ابن بابويه فعدّله ووثّقه وأثنى عليه وقال : سُئِلْتُ قديماً عن زكريّا بن آدم والصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه : أيّهما أفضل وأجلّ مرتبةً؟ فقلت : زكريّا بن آدم ؛ لتواتر الأخبار بِمَدْحِه ، فرأيتُ شيخَنا الصدوق عاتباً عليَّ حتّى قال : من أين ظَهَرَ لك فضلُ زكريّا بن آدم عليَّ وأعرض ۱۰ .
وفي آواخر اللؤلؤة :
نَقَلَ المحدّث السيّد نعمة اللّه الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية قال :
يُعجِبني نقلُ مباحثة جرت بين شيخنا البهائي قدس سره وبين عالم من علماء مِصْر وهو أعْلَمُهُم وأفضلهم ، وقد كان شيخُنا البهائي ـ طاب ثراه ـ يُظْهِر لذلك العالم أنّه على دينه ، فقال له : ما تقول الرافضةُ الذين قِبَلَكم في
الشيخين ؟ فقال شيخنا البهائي : قد ذكروا لي حديثين فعجزتُ عن جوابهم فقال : ما يقولون؟ فقال : يقولون : إنّ مُسْلِماً روى في صحيحه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «من آذى فاطمة فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى اللّه ، ومن آذى اللّه فقد كفر» ۱۱
وروى بعد هذا الحديث بخمسة أوراق «أنّ فاطمةَ خَرَجَتْ من الدنيا وهي ساخطةٌ غاضبةٌ على أبيبكر وعمر» ما التوفيق بين الحديثين؟ فقال له العالم : دعني الليلةَ أنظر ، فلمّا صار الصبح جاء ذلك العالم فقال للشيخ البهائي : ألم أقلْ لك أنّ الرافضة تكذب في نقل الأحاديث ، البارحةَ طالعتُ الكتاب فوجدتُ بين الحديثين أكثرَ من خمسة أوراق ۱۲ .

1.سلافة العصر : ۲۸۹ .

2.القصيدة كلّها موجودة في أنيس الخاطر للشيخ يوسف البحراني ۲ : ۲۶۶ ، أوّلها : سرى البرق من نجد فجدد تذكاريعهوداً بجزوى والعذيب وذي قار .

3.في «د» : «وأضرابه» .

4.اُنظر لؤلؤة البحرين : ۱۹ . والمقصود به الشيخ المحدّث الصالح عبد اللّه بن صالح البحراني اُنظر روضات الجنّات ۷ : ۶۷ .

5.العنكبوت (۲۹) : ۶۹ .

6.مابين المعقوفين من المصدر .

7.انتهى كلام لؤلؤة البحرين : ۱۸ ـ ۲۰ .

8.أمل الآمل ۱ : ۱۵۵ .

9.لؤلؤة البحرين : ۲۲ .

10.لؤلؤة البحرين : ۳۷۵ . ونقله عنه البحراني في الكشكول ۲ : ۱۲۶ .

11.صحيح مسلم ۵ : ۹۴ .

12.حكاها في لؤلؤة البحرين : ۴۳۶ ونقله عنه البحراني في كشكوله ۱ : ۳۴۴ ؛ وانظر روضات الجنّات ۷ : ۷۱ حيث فيه «عن صحيح البخاري» .

صفحه از 534