رسالة في الشيخ البهائي - صفحه 510

[كلام المحبّي في خلاصة الأثر في البهائي ]

وقال في خلاصة الأثر بعد طائفة من الكلام في مدحه : «ذكر الشهاب في كتابه وبالغ في الثناء عليه» ثمّ قال :
وقد أطال أبو المعالي الطالوي ۱ في الثناء عليه وكذلك البديعي ۲ ونصّ عبارة الطالوي في حقّه : وُلِدَ بقزوين وأخذ عن علماء تلك الدائرة ثمّ خرج من بَلَدِهِ وتَنَقَّلَتْ به الأسفارُ إلى أن وَصَلَ إلى إصفهان ، فوصل خبرُه إلى سلطانِها شاه عبّاس ، فطلبه لرئاسة علمائها ، فوليها وعظم قدره ، وارتفع شأنه ، إلاّ أنّه لم يكن على مذهب الشاه في زندقته ؛
لانتشار صِيته في سداد دينه إلاّ أنّه غالى في حبّ آل البيت ۳
.
ثمّ قال :
وكان يجتمعُ مدّة إقامته بمِصْر بالأُستاذ محمّد بن أبيالحسن البِكْري ، وكان الأُستاذ يبالغ في تعظيمه ، فقال له مرّةً : يا مولانا أنا درويش فقير كيف تُعَظِّمُنِي بهذا التعظيم؟!» قال : شممت منك رائحة الفضل ۴ .
ثمّ قال :
ثمّ قدم القُدْس قال : وحكى الرضيّ بن أبي اللطف المقدسي قال : ورد علينا من مصر رجل من مهابته محترم ، فَنَزَلَ من بيت المقدس بفناء الحَرَم ، عليه سيماء الصلاح ، وكان يألف من الحرم فناء المسجد الأقصى ولم يسند إليه أحد مدّة الإقامة نقصاً ، فألقى في روعي أنّه من أكابر العلماء الأعاظم وأجلّة أفاضل الأفاخم ۵ ، فمازلتُ لخاطره أتقرّبُ ، ولما لا يُرضيه أتجنّبُ ، فإذا هو مِمَنْ يُرحَلُ إليه للأخذ عنه ، ويُشَّدُ الرحال للروايةِ عنه ، يسمّى بهاء الدين محمّد الحارِثي ، فسألته عند ذلك القراءة في بعض العلوم فقال : بشرط أن يكون ذلك مَكْنوناً ۶ ، وقرأت عليه شيئاً من الهيئة والهندسة ، ثمّ سافر إلى الشام قاصداً بلاد العجم ۷ .
وقد ذكر بعد هذا :
أنّه لمّا ورد بدمشق نَزَلَ منزل بعض التجّار الكبار ، وكان يَطْلُب ـ على ما سمع كثيراً ـ الاجتماعَ بالحَسَن البُوريني ، فأحضره له التاجر الذي نزل منزله وتأنّق في الضيافة ، ودعا غالب فضلاء محلّتهم ، فلمّا حضر
البوريني إلى المجلس رأى فيه صاحب الترجمة بهيئة السيّاح وهو في صدر المجلس والجماعة محدقون به ، وهم متأدّبون غاية التأدّب ، فعجب البوريني وكان لا يعرفه ولم يسمع به فلم يعبأ به ونحّاه عن مَجْلِسِه وجَلَسَ غَيْرَ مُلتفتٍ إليه ، وشَرَعَ على عادته في بثّ رقائقه ومعارفه إلى أنّ صلّوا العشاء .
ثمّ جلسوا فابْتَدَرَ البهائي في نقل بعض المناسبات ، وانجرّ إلى الأبحاث، فأورد بحثاً في التفسير عويصاً ، فتكلّم عليه بعبارة سهلة فهمها الجماعة كلّهم ، ثمّ دقّق في التعبير حتّى لم يَبْقَ يفهمُ ما يقول إلاّ البوريني .
ثمّ أغمض في العبارة فبقي الجماعة كلّهم والبوريني معهم صموتاً جموداً لا يدرون ما يقول غير أنّهم يسمعون تراكيب واعتراضات وأجوبة تأخذ بالألباب ، فعندها نهض البوريني واقفاً على قدميه وقال : إن كان ولابدّ فأنت البهائي الحارِثي إذ لا أجدُ بهذة المثابة إلاّ ذاك واعتنقا وأخذا بعد ذلك في إيراد أَنْفَس ما يحفظان ، وسأل البهائي من البوريني كتمان أمره وافترقا تلك الليلة ، ثمّ لم يقم البهائي فأُقلع إلى حلب .
وذكر الشيخ أبو الوفا العرضي في ترجمته قال : قدم حلب مستخفياً في زمنِ السلطانِ مراد بن سليم مغيّراً صورته بصورة رجل درويش ، فَحَضَرَ دَرْسَ الوالد يعني الشيخ عمر ، وهو لا يُظهِرُ أنّه طالب علم حتّى فَرَغَ من الدرس ، فسأله عن أدلّة تفضيل الصدّيق على المرتضى ، فذكر حديث «ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيّين أفضل من أبيبكر» ۸ ، وأحاديثَ مثل ذلك كثيرةً ۹ . فردَّ عليه ، ثمّ أخذ يذكر أشياء
كثيرة تقتضي تفضيل المرتضى فشتمه الوالد وقال له : رافضي شيعي وسبَّه ، فَسَكَتَ .
ثمّ إنّ صاحب الترجمة أَمَرَ بعضَ تجّارِ العَجَمِ أن يَصْنَعَ وليمةً ويجمعَ فيها بين الوالد وبينه ، فاتّخذ التاجر وليمة ودعاهما فأخبره أنّ هذا هو الملاّ بهاءالدين عالم بلاد العجم ، فقال للوالد : شتمتمونا ، فقال له : ما علمت أنّك الملاّ بهاء الدين ، ولكنّ إيراد مثل هذا الكلام بحضور العوامّ لا يليق ، ثمّ قال : أنا سنّي أُحبّ الصحابة ، ولكن كيف أَفْعَلُ سُلطانُنا شيعي ويقتل العالم السُنّي ، قال : وكان كتب قطعة من التفسير باسم شاه عبّاس فلمّا دخل بلاد السنّة قطع الديباجة وبدّلها ، وذكر أنّه كتب ذلك باسم السلطان مراد ، ولمّا سمع بقدومه أهل جبل عامل تواردوا عليه أفواجاً أفواجاً ، فخاف أن يظهر أمره فخرج من حلب . انتهى ۱۰ .
وسياق كلام العرضي يقتضى أنّ دخوله في حلب كان في خروجه من العجم قاصداً للحجّ .

1.هو درويش محمّد بن أحمد الطالوي الأرنقي المتوفّى عام ۱۰۱۴ (ه . ق) له كتاب سانحات دمى القصر في مطارحات بني العصر .

2.هو يوسف البديعي الدمشقي الحلبي المتوفّى عام ۱۰۷۳ (ه . ق) له كتاب الحدائق في الأدب.

3.خلاصة الأثر ۳ : ۴۴۱ ؛ سانحات دمى القصر ۲ : ۱۲۷ . وانظر أعيان الشيعة ۹ : ۲۴۱ .

4.سانحات دمى القصر ۲ : ۱۲۷ . ونقله المحبّي في خلاصة الأثر ۳ : ۴۴۱ .

5.في المصدر : «الأعاجم» .

6.في «د» : «مكتوبا» وفي المصدر : «مكتوما» .

7.سانحات دمى القصر ۲ : ۱۲۸ ونقله المحبّي في خلاصة الأثر ۳ : ۴۴۲ ؛ وانظر أعيان الشيعة ۹ : ۲۴۱ .

8.سنن الترمذي ۵ : ۹۱۸ / ۳۶۸۴ ، باب مناقب عمر ؛ وانظر كنزالعمّال ۱۱ : ۵۵۷ / ۳۲۶۲۲ .

9.اُنظر صحيح مسلم ۵ : ۷ ـ ۱۷ ، الباب ۱ فضائل أبي بكر ؛ وسنن الترمذي ۵ : ۶۰۶ ، الباب ۱۴ و الباب ۱۵ ، باب مناقب أبي بكر وعمر .

10.معادن الذهب : ۲۸۷ / ۵۴ ونقله المحبّي في خلاصة الأثر ۳ : ۴۴۳ ، وانظر أعيان الشيعة ۹ : ۲۳۷ .

صفحه از 534