رسالة في الشيخ البهائي - صفحه 515

[فيما حكاه نظام الساوجي ]

وفي آخر الجامع العبّاسي حكى نظام الساوجي :
أنّه سَمِعَ عن شيخِنا البهائي أنّ يوماً حَضَرَ السلطان مَجْلِسَ دَرْسِ الشيخ وكان البحث في العاقلة ، فسأل السلطانُ عن معنى العاقلة ، فأجاب الشيخ بأنّ العاقلة جماعةٌ يؤخذُ منهم الدية لو قتل شخص خطأً ، فقال السلطان : ما الحكمة في أخذ الدية من الجماعة ـ مع كون الجناية خطأً من غيرهم؟ فأجاب الشيخ بأنّ الظاهر أنّ الحكمة أنّ الجماعة لمّا علموا أنّ الدية تؤخذ منهم فيمانعون القريب عن الملاهي الموجبة للقتل خطأً ، ويحافظونه عنها ؛ فينسدّ طريق قتل الخطأ . فقال السلطان : إنّ الحكمة أنّ الجماعة لمّا أُخِذَتْ الدية منهم فيصير القريب خَجِلاً منهم ولا يأتي بالقتل الخطأ بعد ذلك ۱ .

[فيما ذكره الشيخ البهائي في سنّ الخنزير ]

ومن شيخنا البهائي في حاشية الفقيه عند الكلام في نجاسة مالا تحلّه الحياة من نجس العين أنّه قال :
إنّ سلطان زماننا ـ خلّداللّه مُلْكَه ، وأجرى على بحار التأييد فُلْكه ـ عَرَضَ
له يوماً ـ وهو في مَصْيَدَةٍ ـ خنزيرٌ عظيمُ الجثّةِ ، طويلُ السنّ الخارج ، فَضَرَبه بالسيف ضربة نَصَّفَه بها ، ثمّ أمر بقلع سِنِّه والإتيان بها إليه ، فوجد مكتوباً عليها لفظَ الجلالة بخطٍّ بيّنٍ ، فحصل له ولنا ولمن حَضَرَ المصيدة من العسكر المنصور نهايةُ التعجّب ؛ فإنّ ذلك من أغرب الغرائب .
ولمّا أرانيها ـ أدام اللّه نصره وتأييده ـ قال لي : كيف يجتمع هذا مع نجاسة الخنزير ، فعرضت لديه أنّ السيّد المرتضى قائل بطهارة مالا تحلّه الحياة من نجس العين ۲ ، ووجود هذا الخطّ على هذا السنّ ربّما يؤيّد كلامه طاب ثراه ؛ فإنّ السنّ ممّا لا تحلّه الحياة .
وكان بعض الأطبّاء حاضراً في المجلس الأشرف ، فقال لي : قد صرّح الشيخ في القانون بأنّ بعض العظام لها حياة ، وأنّ السنّ من جملة تلك العظام ، فتكون ممّا تحلّه الحياة ألبتّةَ .
فقلت له : كلام ابن سينا غير رائج عندنا بعد ما نقله علمائنا ـ قدّس اللّه أرواحهم ـ عن أئمّتنا ـ سلام اللّه عليهم ـ من أنّ السنّ ممّا لا تحلّه الحياة ، وأنّها كالظفر والشعر والقرن ، فَحَرّكَ رأسه ولَوى عُنُقَهُ مُشْمئزّاً ممّا قلته استعظاماً لابن سينا ، فأردت كَسْر سَوْرة استعظامه ، فقلت له : إنّ لي مع ابن سينا في هذا المقام بحثاً لا مَخْلَصَ له منه ، وهو أنّه نَاقَضَ نفسه في هذا الكلام الذي نقلته أنت عنه ؛ لأنّه ذكر في بعض أمراض الأسنان من القانون أنّها من جملة العظام التي ليس لها حسّ وقال في بحث تشريح الأسنان : ليس لشيء من العظام حس إلاّ الأسنان ، وظاهر أنّ تلك العبارة موجبة جزئيّة فيثبت الحسّ للبعض ، وتلك سالبة كلّيّة تَنفيه عن الكلّ ، وهل هذا إلاّ عين التناقض؟! فطأطأ رأسه وقال : أُراجع القانون فقلت :
راجعه ألف مرّة ۳ .
أقول : إنّ نظير ما أورد به شيخُنا البهائي على ابن سينا ما أورد به الوالد الماجد على ما ذكره في نهاية الإحكام والمدارك من أنّ الصلاة أفضل الأعمال استدلالاً بوجوه ۴ .

1.الجامع العبّاسي : ۴۵۳ .

2.المسائل الناصريّة (ضمن الجوامع الفقهيّة) : ۱۸۲ .

3.حاشية الفقيه غير موجودة لدينا ، ونقله عنه في روضات الجنّات ۷ : ۷۳ حيث نقل كلّ القصّة ، وبعدها ردَّ ما احتمله البهائي .

4.اُنظر نهاية الإحكام ۱ : ۳۰۷ ؛ ومدارك الأحكام ۳ : ۶ .

صفحه از 534