رسالة في الصحيفة السجّاديّة - صفحه 589

[كلام الصحيفة فوق كلام البشر وجبرُ ضعف سندها به ]

قوله : «والحاصل أنّه لاشكّ» إلى آخره قال في شرح مشيخة الفقيه :
عبارة الصحيفة دالّة على أنّها ليست من البشر ـ سيّما من عمير ومتوكّل اللذين ليسا من علماء العامّة ولا من علماء الخاصّة ـ ؛ فإنّ علماء العامّة كيف يمكنهم أن ينسبوا ذلك [إلى] أئمّتنا عليهم السلام ، والخاصّة كيف كانوا بهذه الفضيلة العظيمة ولم يكن يعرفهم أحد أصلاً . على أنّ الوجدان الخالي عن التعصّب يجزم بأنّها فوق كلام المخلوق ، ويمكن أن تكون من كلام اللّه تعالى ، بأنْ تكون منقولة عن النبيّ صلى الله عليه و آله .
والظاهر أنّ ذلك الكلام من إلهام اللّه تعالى على قلوبهم ، وعلى ألسنتهم ، ولا شكّ في إمكانه إمّا للأخبار المتواترة بأنّ من زهد في الدنيا أو أخلص العبادة للّه ، أجرى اللّه سبحانه أو فتَح اللّه تعالى ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ۱ وهذه المرتبة دون مرتبتهم سلام اللّه عليهم أجمعين ، كما اعترف العامّة بذلك أيضاً ، فإنّهم يجوّزون تلك المرتبة لجنيد البغدادي ، ولأبي يزيد البسطامي ، ولإبراهيم البلخي ، وأمثالهم ، وهُم مُعترفون بأنّ مرتبة أئمّتنا سلام اللّه عليهم أجمعين أعلى منهم بكثير .
وإمّا من جهة الأخبار الكثيرة من الطرفين الصحيحة من الجانبين «أنّه لايزال العبد يتقرّب إليّ بالنوافل حتّى أُحبّه ، فإذا أحببته كنتُ سَمعه وبصَره ويدَه ولسانه» ۲ فكيف يُستبعد أن يكون اللّه تعالى تكلّم على لسانِ سيّد العارفين والزاهدين والعابدين ، هذا على أفهام العامّة .
وأمّا الخاصّة : فلا خلاف عندهم في ذلك ، وأخبارنا بذلك متواترة بالنسبة إلى الجميع سلام اللّه عليهم جميعاً . ولهذا سُمّيت الصحيفة ب «إنجيل أهل البيت» و«زبور آل محمّد صلى الله عليه و آله» كما أنّ الإنجيل كان يجري على لسان عيسى بن مريم على نبيّنا وآله وعليه السلام ، والزبورَ كان يجري على لسان داود على نبيّنا وآله وعليه السلام ، انتهى ۳ .
ويأتي منه بعض الكلام في المقام في بعض ما يأتي منه من الكلام .
وقال السيّد السند العليّ :
واعلم أنّ هذه الصحيفة عليها مسحة من العلم الإلهي ، وفيها عبقة من
الكلام النبويّ ، كيف لا ، وهو قبس من نور مشكاة الرسالة ، ونفحة من شميم رياض الإمامة ، حتّى قال بعض العارفين : إنّها تجري مجرى التنزيلات السماويّة ، وتسير مسير الصُحُف اللوحيّة والعرشيّة ؛ لما اشتملت عليه من أنوار حقائق المعرفة ، وثمار حدائق الحكمة . وكان أحبار العلماء ، وجهابذة القُدماء من السلف الصالح يلقّبونها ب «زبور آل محمّد» و«إنجيل أهل البيت» .
قال الشيخ الجليل محمّد بن عليّ بن شهر آشوب في معالم العلماء في ترجمة المتوكّل بن عمير : «روى عن يحيى بن زيد بن عليّ عليهماالسلام دعاء الصحيفة ، وتُلقّب بزبور آل محمّد عليه السلام» انتهى ۴ .
وأمّا بلاغة بيانها : فعندها تسجد سحرة الكلام ، وتُذعن بالعجز عنها مدارَة الأعلام ، وتعترف بأنّ النبوّة غير الكهانة ، ولا يستوي الحقّ والباطل في المكانة ، ومن حام حول سمائها بغاسق فكره رُمي من رجوم الخذلان بشهاب ثاقب .
حكى ابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب : أنّ بعض البُلغاء ذُكِرت عنده الصحيفة الكاملة ، فقال : خذوا عنّي حتّى أُملي عليكم مثلها ، فأطرقَ رأسه فما رفعه حتّى مات . ولعمري قد رامَ شططاً،فنالَ سخطاً ۵ .
أقول : إنّ سائر الأدعية المأثورة عن مولانا السيّد السجّاد وزين العباد ـ عليه آلاف التحيّة من ربّ العباد إلى يوم التناد ـ وكذا الأدعية المأثورة عن سائر موالينا أئمّة الأنام ـ عليهم آلاف السلام ، من السلام ، فوق كلّ سلام ، إلى قيام الساعة وساعة القيام ـ لا يقصر عن أدعية الصحيفة الكاملة الشريفة لمُنشئها آلاف السلام والتحيّة إلى قيام القيامة .

1.الكافي ۲ : ۱۲۸ ، ح ۱ ، باب ذمّ الدنيا والزهد فيها ، وص ۱۵ ، ح ۳ و ۶ ، باب الإخلاص .

2.الكافي ۲ : ۳۵۲ ، ح ۷ ، باب من أذى المسلمين واحتقرهم؛ وسائل الشيعة ۴ : ۷۲ ، أبواب أعداد الفرائض ، ب ۱۷ ، ح ۶ مع اختلاف في اللفظ .

3.روضة المتّقين ۱۴ : ۴۱۸ .

4.معالم العلماء : ۱۲۵ رقم ۸۴۷ .

5.رياض السالكين ۱ : ۵۱ .

صفحه از 624