رسالة في الصحيفة السجّاديّة - صفحه 621

[التخلّق ثمّ التعلّم]

لكن نقول : إنّه لابدّ في تحصيل العلم من التقوى وتهذيب الأخلاق ، وإلاّ فلا يتيسّر التحصيل . وكذا لابدّ من التضرّع إلى اللّه طلباً لمزيد عناياته ، وإلاّ فالعلم بمجرّده لا يُسمِن ولا يُغني من جوع ، بل يزيد جوعاً على جوع ؛ ولعمري لا يوجب العلم بمجرّده إلاّ الهموم والغموم ، والسالك في مسلكه إنّما يسلك مسالك المهالك ، بل ربّما يتعدّى الأمر إلى الجنون أو الهلاكة أو خُسران الدنيا والآخرة ، ومن الخبط خبطَ العشواء الإكبابُ على تحصيل العلم فقط ، ولا دواءُ الداء إلاّ طرياق عناية اللّه عزّوجلّ .
وما أحسن ما نقله سيّدنا من أنّه وصّى إليه الوالد الماجد رحمه الله أنْ لا يترك الابتهال إلى اللّه العزيز الأعلى في الليل ، ولو كان طلوع الفجر مشكوكاً فيه .
وقد أجاد ثمّ أجاد بعض الأواخر ؛ حيث اهتدى إلى طريق المقاصد ، فبالغ في التضرّع إلى اللّه سبحانه ، بحيث إنّ الظاهر عدم اتّفاق مثله من مثله ، فضلاً عن غيره في زمان الغيبة ، فطوبى له ثمّ طوبى له ؛ حيث طلب حوائجه من مظانّها ، وأتى مطالبه من وجهها .
ومن ذلك أنّه لعلّه لم يتّفق مثل ما اتّفق له لمثله في زمان الغيبة ، وقد ضبطنا في البشارات الآياتِ الدالّةَ على أنّ التقوى توجب انتظام الدنيا . هذا هو الكلام في الاهتمام في تحصيل العلم .
والويل الدائم والشقاء الأشقى لمن تكاسل في طريق الاجتهاد ، وأغمض عن يوم يقوم الأشهاد ، في موقف العرض لربّ العباد ، فأكثر الافتراء والفرية على من دانت له السماوات والأرض بالعبوديّة .
آه وا نفساه ، آه وا نفساه ، كيف باع حظَّه بالأرذل الأدنى ، وشرى آخرته بالثمن البخس الأوكس ، وتَغَطْرَسَ وتردّى في مهوى هواه ، ولبئس المطيّة التي امتطت نفسه من هواها ، وواهاً لها لما سوّلت لها ظنونَها ومُناها ، وتبّاً لها لجرأتها على سيّدها ومولاها .
والعجب ممّن يلعن خلفاء الجور، وهو ينتهج في منهجهم مع غاية دنوّه، بحيث إنّه ليس شرّه بالنسبة إلى شرورهم إلاّ كشرارة النار بالنسبة إلى نار الجحيم .
لاتَنْه عن خُلُقٍ وتأتيَ مثلَهعارٌ عليكَ إذا فعلتَ عظيمُ
وقد أجاد السيّد السند النجفي رحمه الله ؛ حيث عدّ ضرر ذلك على العوامّ أشدَّ من ضرر الدّجال ، ولعمري إنّ غالب أهل صورة التحصيل أخصُّ خلق اللّه العزيز الجليل في هذا العصر ، بل في عموم الأمصار ، بل مُشاهدتهم تُوجب الإزجارو الازدجار ، العلماءُ الأخيار والأحبار والأبرار بربّ البراري والبحار ، وخالق الليالي والنهار .
ولو أنّي اعددت ذنوب دهري ، لضاع القِطَر فيها والرمال ، لكن ليس شيء من
ذلك إلاّ بواسطة إمساك الرحمة من جانب اللّه سبحانه ؛ لحكمة ومصلحة كما هو الحال في عدم إرسال الرسول في زمان الفترة .
ويمكن أن يقال : إنّ غلبة الكسالة مطّردة في عموم الأزمنة ، كما يُرشد إليه شكاية العلماء من الخاصّة والعامّة في صدور كتبهم المصنّفة ، كيف لا وهذه الدار كسافةٍ ۱ ، فلابدّ من قلّة اللطافة في جنب الكسافة ، ألاترى قلّة السعادة في جانب الشقاوة ، خصوصاً قلّة المسلمين في جنب الكفرة .
نعم ، غلبة الكسالة تختلف بالنسبة إلى الأزمنة ، لكن مع ذلك كلّه الظاهر [أنّ] ما اتّفق من الكسالة في هذا العصر في غاية الشذوذ والندرة بالنسبة إلى سائر الأعصار والأزمنة .

1.الكسافة بمعنى الوساخة في اللغة الفارسية وليس هذا اللفظ بهذا المعنى موجودا في اللغة العربية .

صفحه از 624