رسالة في التفسير المنسوب إلي الإمام العسكري عليه السلام - صفحه 637

وأمّا السند الثاني

فالجماعة المتأخّره ۱ عن الصدوق من المجاهيل ، وأمّا الجماعة المتقدّمة على الصدوق فيظهر حالهم بما ۲ تقدّم .
ثمّ إنّه قال في رياض العلماء بخطّه :
صاحب العسكر هو مولانا أبو الحسن عليّ بن محمّد التقيّ الهادي ، وقد شاع أنّ الوجه في تلقّبه عليه السلامبصاحب العسكر هو كونه في السامرة المعروف بعسكر ، وبعسكرا أيضاً .
وكان هذا الوجه ممّا لا وجه له ، بل الصوابُ كونُه من جهة إظهاره عليه السلامعسكر اللّه تعالى وجيشه للخليفة العبّاسي معجزةً ، كما رواه جماعة من علمائنا ۳ .
وهذا الوجه خَطَرَ ببالي في قديم الزمان ، ثمّ بعد مدّة في سنة سبعَ عشَرَ ومائةٍ وألفٍ عثرت على كلام للسيّد عليخان والي الحويزة في كتاب نكت البيان ، وفي كتابٍ مجموعُه في هذا الباب يُطابق ماسنح بخاطري ، فهو من باب توارد الخواطر ، فأعجبني إيراده بعبارته ، قال قدس سره :
وممّا تنبّهنا له من الكلام ممّا نظنّ أنّنا لم نُسبَق إليه ، هو أنّه قد اشتهر بين علماء الشيعة أنّهم يلقّبون الهادي عليه السلامبصاحب العسكر ، ويخصّونه بذلك دون ولده الحسن العسكري ، على أنّهم يلقّبون الهادي عليه السلامبالعسكري أيضاً ؛ لنزولهما في العسكر الذي هو سُرَّ مَن رأى . وأمّا تخصيص الهادي عليه السلامبصاحب العسكر فربّما يُظنّ أنّه نسبة إلى العسكر الذي هو البلد أيضاً ، وليس كذلك ، وإلاّ لقيل للحسن عليه السلام : إنّه صاحب العسكر أيضاً ، على أنّ تلقّب الهادي عليه السلامبصاحب العسكر بعيد من النسبة إلى البلدة أيضاً ؛ لأنّه عليه السلام لم يكن صاحب اليد في زمانه عليها .
ولكنّ الظاهر أنّه لُقِّبَ بصاحب العسكر ؛ لأنّه أظهَرَ عسكره من الملائكةِ للخليفةِ المتوكّل لمّا عَرَضَ عليه عسكره ، كما ورد في الحديث المشهور بين الشيعة ، فلذلك لقّب بصاحب العسكر .
وأمّا الحديث الذي أشرنا إليه فهو ما ذكره صاحب كتاب الثاقب قال : إنّ الخليفة أمر العسكر ، وكان هو تسعين ألفَ فارس من الأتراك الساكنين بسرّ من رأى ، فأمر كلَّ واحدٍ منهم أنْ يملأ مِخلاة ۴ فرسه من الطين
الأحمر ، ويجعلوا بعضه على بعض بوسط بريّة واسعة هناك ، ففعلوا وصارت مثلَ جبل عظيم ، ثمّ صعد فوقه ودعا بأبي الحسن عليه السلاموأصعده معه وقال : قد استحضرتك للنظارة ، وقد كان أَمَرَ عسكره بلبس التجافيف ۵ ، وأن يلبسوا الأسلحة ، فأقبلوا و أحاطوا به بأحسن الزينة وتمام العُدّة ، وكان غرضه أن يرهب بذلك أبا الحسن عليه السلامخوفاً من أن يخرجَ عليه أحدٌ من أهل البيت بأمر أبي الحسن عليه السلام فقال عليه السلام : «وهل أعرض عليك عسكري؟» فقال : نعم ، فدعا اللّه تعالى ، فإذا ما بين السماء والأرض من المشرق والمغرب مملوءة من الملائكة ، وهم مدجّجون ۶ ، فغُشي على المتوكّل ، فلمّا أفاق قال له أبو الحسن عليه السلام : «نحن لانتنافسكم بدنياكم ، وإنّما نحن مشتغلون بأُمور الآخرة ، فلا عليك بأس ممّا تظنّ» ۷ انتهى .
وفي القاموس قد عدّ من معاني العسكر سُرَّ من رأى قال : «وإليه نُسب العسكريان : أبو الحسن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى ، وولده الحسن» ۸
وقد ظهر بما سَمِعْت أنّ العسكري يطلق على الهادي ونجله الزكيّ عليهماالسلام ، والمقصود بالعسكري في المقام إنّما هو الثاني كما يظهر ممّا مرّ من الاسم والكنية ، وهو المعروف بالعسكري ، وأمّا إطلاقه على الهادي عليه السلام فهو نادر . وأمّا صاحب العسكر فهو يطلق على الهادي عليه السلامفقط ، واللّه العالم .

1.وهم : شاذان بن جبرئيل ومن قبله إلى الصدوق وعبّر عن مثل هؤلاء في السند الأوّل بالمتقدّمين على الصدوق .

2.في «د» : «ممّا» .

3.اُنظر مختار الخرائج : ۲۱۱ ، وحكاه في بحار الأنوار ۵۰ : ۱۵۵ ، ح ۴۴ ، باب معجزات الإمام الهادي وأخلاقه .

4.المخلاة هي مايجعل فيه العلف ، ويعلّق في عنق الدابّة لتعتلفه . بيان من بحار الأنوار ۵۰ : ۱۵۶ .

5.التجافيف : جمع التجفاف بالكسر ، وهو آلة للحرب يلبسه الفرس والإنسان ليقيه في الحرب . بيان من بحار الأنوار ۵۰ : ۱۵۶ .

6.مدجّجون : بتشديد الجيم المفتوحة ، يقال : فلان مدجّج ، أي شاك في السلاح . بيان من بحار الأنوار ۵۰ : ۱۵۶ .

7.لم نعثر على كلام صاحب الرياض في الرياض ، اُنظر مختار الخرائج: ۲۱۱، وحكاه في بحار الأنوار ۵۰: ۱۵۵ ، ح ۴۴، باب معجزات الإمام الهادي وأخلاقه عليه السلام.

8.القاموس المحيط ۲ : ۹۲ (عسكر) .

صفحه از 639