رسالة في علم الرجال - صفحه 435

المشهورة مدّعيا صحّة الأخبار به:
إنّ التوثيق و الجرح اللّذين بنوا عليهما الأخبار إنّما أخذوهما من كلام القدماء. و كذلك الأخبار التي رويت في أحوال الرواة من المدح و الذمّ إنّما أخذوها عنهم، فإذا اعتمدوا عليهم في مثل ذلك، فكيف لا يعتمدون عليهم في تصحيح ما صحّحوه من الأخبار، [و اعتمدوه] و ضمّنوا صحّته كما صرّح به جملة منهم، كما لا يخفى على من لاحظ ديباجتي الكافي و من لا يحضره الفقيه و كلام الشيخ رحمه اللهفي العدّة و كتابي الأخبار؟ فإن كانوا ثقاتا و عدولاً في الأخبار بما أخبروا [به] ففي الجميع، و إلاّ فالواجب تحصيل الجرح و التعديل من غير كتبهم، و أنّى لهم به.
لا يقال: «إخبارهم بصحّة ما رووه في كتبهم يحتمل الحمل على الظنّ القويّ باستفاضة أو شياع أو شهرة معتدّ بها أو قرينة أو نحو ذلك»؛ لأنّا نقول أوّلاً: إنّ أصحاب هذا الاصطلاح مصرِّحون بأنّ مفاد الأخبار عند المتقدّمين هو القطع و اليقين، و إنّما عدلوا عنه إلى الظنّ لعدم تيسّر ذلك لهم.
و أمّا ثانيا: فلما تضمّنته تلك العبارات ممّا هو صريح في صحّة الأخبار بمعنى القطع و اليقين بثبوتها من المعصومين عليهم السلام ، فإن قيل: تصحيح ما حكموا بصحّته أمر اجتهادي لا يجب تقليدهم فيه، و نقلهم المدح والذمّ رواية يعتمد عليهم فيها!
قلنا: إخبارهم بكون الراوي ثقةً أو كذّابا و نحو ذلك أمر اجتهادي استفادوه بالقرائن المطّلعة على أحواله أيضا. ۱
و بالجملة هم ممّن سهرت عيونهم في تصحيحها، و ذابت أبدانهم في تنقيحها، و قطعوا في تحصيلها من معادنها البلدان، و هجروا في تنقيحها الأولاد و النسوان، سيّما و قد ورد عن الأئمّة المنع عن العمل بكلّ رواية ردّوها من الأحاديث الموضوعة، فهؤلاء الثقات إذا سمعوا ذلك، كيف يحتمل نقلهم ما لا يثقون بصحّته، و لا يعتمدون على حقّيّته؟!
بل من المقطوع و المعلوم عادةً من أمثالهم أنّهم لا يذكرون و لا يريدون في مصنّفاتهم إلّا ما اتّضح لهم به الحال، و أنّه في الصدق و الاشتهار كالشمس في رابعة

1.الحدائق الناضرة، ج۱، ص۱۶ و ۱۷ (مع اختلاف يسير).

صفحه از 478