رسالة في علم الرجال - صفحه 451

و فيه ما فيه، و استدلّ القائلون بأنّه من باب الظنون الاجتهاديّة دون الشهادة و الرواية؛ بعدم إمكان الشهادة؛ فإنّها إخبار جازم، و هنا غير ممكن التحقّق بالنسبة إلى الرواة؛ لاقتضاء إدراك الشاهد لهم، و هنا غير واقع إلى من كان سابقا في أزمنة كثيرة كزرارة و أمثاله، و ما كتب في كتب الرجال ليس من باب الشهادة؛ لأنّه نقش، و الشهادة لابدّ أن يكون من باب اللفظ، مع أنّ أكثره من باب الفروع بعدّة مراتب فليس معتبرا، و لو سلّم الإمكان فلا دليل على اعتبار الشهادة على سبيل الكلّيّة الشاملة للمقام؛ إذ لا عموم من الكتاب و السنّة و لا من غيرهما على وجه الاطمئنان، سيّما شهادة الفرع، و لو سلّم فلا يسمن و لا يغني من جوع؛ لندرتها و عدم وفائها في دفع الحاجة.
و أمّا الرواية ففيها أوّلاً: أنّها غير متحقّقة؛ للزوم كونها من باب اللفظ و هو غير واقع، و الواقع ليس إلّا النقش و هو غير نافع.
و ثانيا: لا دلالة في أدلّة خبر الواحد كما برهن في محلّه، مضافا إلى أنّه لا يسلم جلّ الرواية من الطعن، فلا محيص من الترجيح و العمل بالظنّ، مع أنّ تعيين المشتركات لا يتمّ إلّا بالظنّ، فلو كان المعيار هو العلم لزم ترك العمل بأكثر الأخبار، فيلزم المحاذير الملجئة إلى العمل بالظنّ.
قلت: أكثر ما ذكر قابل للإيراد، يظهر وجهه بملاحظة ما تقدّم و ما يأتي.
و استدلّ بعض مشايخنا على الاحتمال الرابع الذي احتمله في المقام، و هو أن يكون من باب حجّيّة قول أهل الخبرة بما فيه خبرة، كقول اللغويّين في مباحث اللغة، قال:
و هذا صنف مستقلّ مغاير للشهادة و الرواية؛ إذ أدرج بعضهم في طيّ الأوّل باستقرار طريقة العقلاء على الرجوع في كلّ فنّ من الفنون عند الاحتياج إليها إلى أربابها، و بدلالة الدليل الرابع المشهور المثبت لحجّيّة الظنّ بعد انسداد باب العلم الجاري في الموضوعات كالأحكام بعد أن تمّ شرائطه المقرّرة و مقدّماته المعتبرة؛ لعدم اختصاص الدليل العقلي بمقام دون مقام، و هو واضح عند ذوي الأفهام، و لم يتعدّ إلى غير أهل الخبرة؛ لأنّ الأصل الوقوف فيما خالف الأصل على محلّ اليقين، و هو قول أهل الخبرة بلا ريب و لا مين. ۱

1.المَين، بالفتح: الكذب. كتاب العين، ج۸، ص۳۸۸ (مين).

صفحه از 478