فتح الباب لمغلقات هذا الكتاب - صفحه 65

وقيل : المراد بالإقبال توجّه النفس الناطقة إلى عالم الملكوت لتستضيء من أنوار الجبروت، وتصل إلى العالم الأعلى ، وبالإدبار ميلها إلى جانب البدن العنصري والاشتغال بتدبيره وحكومته في مدينة البدن على وجه العدالة والصلاح . ۱
أقول : هذا لا يناسب الحديث الآتي في ذكر جنود العقل والجهل؛ ۲ لأنّه قال فيه : «خلق الجهل من البحر الاُجاج ظلمانيّا فقال له : أدبر فأدبر ، ثمّ قال له : أقبل فلم يقبِل ، فقال له : استكبرت، فلعنه » إذ ليس المراد بإدبار الجهل ميله إلى جانب البدن العنصري على وجه العدالة والصلاح .
ولايجوز أن يُقال: أمر اللّه تعالى للعقل بهذا الميل إنّما هو على وجه العدالة والصلاح، وأمر الجهل هذا الميل ليس على وجه العدالة والصلاح ، بل على وجه الجور والفساد.
لأنّا نقول : هذا الأمر قبيح عقلاً لا يأمر به الآمرُ عدلاً .
فما وصل إليه عقلي الناغص ورأيي الناقص أنّ المراد بالإقبال القرب إلى جناب الرحمة الأحديّة والتوجّه إلى جوار الحضرة الصمديّة للاستفاضة من أنوار الملكوت، والاستفادة من أسرار اللاهوت .
والمراد بالإدبار الميل إلى جهة الدنيا الدنيّة، والرغبة إلى الشهوات الفانية، والهمّ إلى المهمّات الدنيويّة؛ لاحتياج الخلق إليها في المآكل والمشارب وسلامة النفس وبقاء النوع ، فأمره تعالى للعقل والجهل على سبيل العرض وطلب القبول ۳ للعقل كما يقول الواهب لشيء : خذ هذا ، وكما يقول الوالي لرجل صالح : اقضِ بين الناس ، بمعنى تقبّل منصب القضاء ، فإذا قضى هذا الرجل في أمرٍ، عُلم أنّه قبل هذا المنصبَ ورضي به .
فلمّا عرض واهب العطايا ـ جلّ شأنه ـ على العقل أمر الإقبال والإدبار، أعني القوّة عليهما، فاختارهما ورضي به، وعرضهما على الجهل في الحديث الآتي فقبل الإدبار،

1.قال به الفيض الكاشاني في الوافي، ج۱، ص ۵۳. وانظر مرآة العقول، ج ۱، ص ۲۸.

2.اُنظر الكافي، ج ۱، ص ۲۱، ح ۱۴.

3.لايتوهّم أنّه معنى أقبل؛ لأنّ الإقبال ليس بمعنى القبول ، فتنبّه ولا تذهل (منه رحمه الله).

صفحه از 90