شرح مناظرة الإمام الصادق عليه ‏السلام مع الزنديق - صفحه 170

نَقُولُ؛ لِلْعَجْزِ الظَّاهِرِ فِي الثَّانِي.
فَإِنْ قُلْتَ: إِنَّهُمَا اثْنَانِ، لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَا مُتَّفِقَيْنِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، أَوْ مُفْتَرِقَيْنِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، فَلَمَّا رَأَيْنَا الْخَلْقَ مُنْتَظِما، وَالْفَلَكَ جَارِيا، وَالتَّدْبِيرَ وَاحِدا، وَاللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، دَلَّ صِحَّةُ الْأَمْرِ وَالتَّدْبِيرِ، وَائْتِلَافُ الْأَمْرِ عَلى أَنَّ الْمُدَبِّرَ وَاحِدٌ.
ثُمَّ يَلْزَمُكَ ـ إِنِ ادَّعَيْتَ اثْنَيْنِ ـ فُرْجَةٌ مَّا بَيْنَهُمَا حَتّى يَكُونَا اثْنَيْنِ، فَصَارَتِ الْفُرْجَةُ ثَالِثا بَيْنَهُمَا، قَدِيما مَعَهُمَا، فَيَلْزَمُكَ ثَلَاثَةٌ، فَإِنِ ادَّعَيْتَ ثَلَاثَةً، لَزِمَكَ مَا قُلْتُ فِي الِاثْنَيْنِ حَتّى يَكُونَ بَيْنَهُمْ فُرْجَةٌ، فَيَكُونُوا خَمْسَةً، ثُمَّ يَتَنَاهى فِي الْعَدَدِ إِلى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ فِي الْكَثْرَةِ».
قَالَ هِشَامٌ: فَكَانَ مِنْ سُؤَالِ الزِّنْدِيقِ أَنْ قَالَ: فَمَا الدَّلِيلُ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «وُجُودُ الْأَفَاعِيلِ دَلَّتْ عَلى أَنَّ صَانِعا صَنَعَهَا، أَلَا تَرى أَنَّكَ إِذَا نَظَرْتَ إِلى بِنَاءٍ مُشَيَّدٍ مَبْنِيٍّ، عَلِمْتَ أَنَّ لَهُ بَانِيا وَإِنْ كُنْتَ لَمْ تَرَ الْبَانِيَ وَلَمْ تُشَاهِدْهُ؟» قَالَ: فَمَا هُوَ؟ قَالَ: «شَيْءٌ بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ؛ ارْجِعْ بِقَوْلِي إِلى إِثْبَاتِ مَعْنىً، وَأَنَّهُ شَيْءٌ بِحَقِيقَةِ الشَّيْئِيَّةِ ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا جِسْمٌ وَلَا صُورَةٌ، وَلَا يُحَسُّ وَلَا يُجَسُّ، وَلَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ الْخَمْسِ، لَا تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ، وَلَا تَنْقُصُهُ الدُّهُورُ، وَلَا تُغَيِّرُهُ الْأَزْمَانُ». 1
وأنا ـ مع الاعتراف بقصور الباع ، بل فقدان الذراع ـ أحببت أن أتعرّض لذلك الخطب الجليل، اعتمادا على رشح يُفاض من معدن التأويل، ومهبط التنزيل .
ولنذكر أوّلاً نبذة في شرح صدر الخبر حتّى نصل لمقام الكلام، ثمّ نتبعه بشرح الختام ، ولنستمدّ منهم عليهم السلام ، فأقول ـ ما زجاَ لما رشح عليَّ منهم بكلام الإمام ـ:
روى ثقة الإسلام ـ عطّر اللّه مرقده ـ عن (عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن العبّاس بن عمرو الفُقيمي) نسبه لفُقيم، حيّ من كنانة، وهو غير مذكور في كتب الرِّجال، ولا يضرّ بحديث الاُصول لموافقته الأدلّة العقليّة ، والكلام فيه يدلّ على المتكلِّم .
(عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي أتى أبا عبداللّه عليه السلام ) وجرى بينهما كلام في التوحيد وبيد الزنديق طرف التعدّد وأقلّه اثنان، فقال الإمام عليه السلام : (لا يخلو قولك إنّهما اثنان) أي شخصان مختلفان بالحقيقة، أم بالشخص بعد أن ثبت وجودهما ووجوبه كما هو

1.الكافي، ج ۱، ص ۸۰ ، باب حدوث العالم وإثبات المحدث، ح ۵.

صفحه از 178