شرح مناظرة الإمام الصادق عليه ‏السلام مع الزنديق - صفحه 172

إلها قديما؛ إذ الوجوب ينفي العجز.
وهذا الاستدلال بحسب الصفات الكماليّة، وهو برهان عقلي يسمّيه الحكماء دليل التمانع ، وحيث إنّه أشرف من الاستدلال بالتجربة والحدس ـ وهو سبر الأثر ـ ولتعلّقه بالغير قدّمه عليه وأخّر الاستدلال الثالث وهو دليل الفرجة، مع أنّه راجع للذات وهو أشرف من الراجع للصفات في بادئ الرأي ؛ لأنّه أغمض كما سيأتي .
فأمّا دليل الحدس فهو ما أشار إليه عليه السلام بقوله ـ راجعا على بدئه ـ :
(فإن قلت : إنّهما اثنان فلا يخلو) الواقع ونفس الأمر إذ لاحظت وفكّرت إمّا (أن يكونا متّفقين من كلّ وجه) أي في الذات والصفات والفعل بحيث لا تغاير في الثلاث المراتب . فهو غير معقول؛ للزوم التوحيد، وهذا خلف. (أو متفرّقين من كلّ جهة) أعني في المراتب الثلاث.
فأمّا في الذات والصفات فالحدس وإن قصر عنهما، لكنّه له دخل في الأثر والفعل ومشاهدة النظام التامّ الذي لا تغاير فيه ينفي تأثير اثنين فيه، وكونه يجوز أن يكون للآخر عالم آخر وراء عالمنا هذا المركّب من الأرواح والروحانيّات والأجسام والجسمانيّات والعقول والعقلانيّات وعالم المثال بأقسامه يكذّبه السبر؛ إذ لو كان لاتّصل بنا خبره .
وحينئذٍ (فلمّا رأينا الخلق منتظما) بهيئة المجموعيّة من عوالم شتّى مربوطا بعضه ببعض ربطا تامّا بحيث كلّما عمّقنا النظر وأمعنّا الحدس ظهر لنا عجائب لا تفي بتحريرها الأقلام، ولا بتعداد شيء منها اللِّسان، ولا يضبط جزءا منه الأحلام ، وما يظهر من بعضٍ الاختلالُ في وقت ما فإنّما هو لاختلال في النظر، وقصور في الخبرة ، هذا بحسب الجملة .
وأمّا بحسب التفصيل في الجملة فنقول : لمّا رأينا (الفلك) جنسه كلّيّه وجزئيّه ـ والتفاوت بتفاوت الأنظار والمرائي (جاريا) في حركته ، فحركة الكلّ بحركة أعظمها المحيط بها كلّ يوم وليلة على وتيرة واحدة ، وكلّ من الكلّيّات الاُخر بالحركة المركّبة من الجزئيّات، أعني الممثّلات والخوارج المراكز والتداوير المقرّرة لها بالحكمة

صفحه از 178