شرح مناظرة الإمام الصادق عليه ‏السلام مع الزنديق - صفحه 174

بخلاف حركات الخمسة المتحيّرة التي تحيّر فيها العقلاء، فتلك لا يعرفها إلّا واحد بعد واحدٍ ، وأبعد من ذلك حركة فلك البروج، فإنّه على ما قيل على تقدير القول بحركته: لا يتمّ الدورة إلّا في نيّف وعشرين ألف سنة ، ولأنّهما أيضا أظهر آثارا في عالمنا هذا .
وبالجملة، لمّا رأينا هذا كلّه من الفلك والفلكيّات على نسق واحد في اختلافه ونضد ملتئم على تفرّقه (دلّ صحّة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر) وانتظام العالم الكبير والصغير عند المفكِّر الكبير بحسب الحدس والرؤية في التقدير إن أنصف الجاحد (على أنّ المدبِّر واحد) ، إذ لو كان اثنين مفترقين من كلّ جهة حتّى في الفعل، لوجب الاختلاف وبطل الائتلاف حسب المفروض ، فإذا أدار أحدهما الفلك الأعظم غربيا، أداره الآخر شرقيّا ، فإمّا أن يقع مرادهما فيجتمع النقيضان دفعة ، أو يتعارضان فيقف .
فإن قلت : قد أفاد الإمام عليه السلام بطلان الاتّفاق من كلّ وجه والافتراق كذلك ، فما وجه بطلان الاتّفاق من جهة والافتراق من اُخرى؟
قلنا : الافتراق إمّا من جهة الفعل أو من جهة الذات ، فمن جهة الفعل قد عرفت بطلانه ، وأمّا من جهة الذات والذاتيات فهو الآتي في دليل الفرجة وقد أفاده بقوله :
(ثمّ يلزمك إن ادّعيت اثنين) أي إلهين واجَبْي وجودٍ وأنت تعلم أنّ وجوب الوجود غير زائد على الذات، وأنّه لا يتركّب من أجزاء موجودة ـ خارجيّةً كانت أو ذهنيّة ـ متعقّلة فضلاً عن المعدومة فيهما أن يكون هناك (فرجة ما بينهما) بها يمتاز أحدهما عن الآخر ليتحقّق الاثنينيّة المفروضة وإن لم يكونا باثنين. ولابدّ أن تكون تلك الفرجة غير وجوب الوجود ؛ لأنّه ما به الاشتراك؛ لفرض أنّهما واجبا وجودٍ، وهو غير خارج عن حقيقتهما، وإلّا لكان عارضا ، فهما في ذاتهما حينئذٍ غير واجبي وجودٍ وهو خلاف الفرض .
بقي ما به الامتياز إمّا أن يكون داخلاً أو خارجا ، وعلى التقديرين إمّا أن يكون موجودا خارجيّا كمشخّصات الفرد ، أو ذهنيّا كالجنس والفصل ، أو معدوما مطلقا .
والأخير بقسميه الداخلي والخارجي غير معقول ، ويأوّل الكلام إلى أنّ المميّز بينهما غير موجود ذهنا وخارجا، فلا اثنينيّة إذ ذاك .

صفحه از 178