شرح مناظرة الإمام الصادق عليه ‏السلام مع الزنديق - صفحه 177

والأوّل باطل؛ ضرورة اجتماع الضدّين، فإنّه حال كونه موجدا موجود، أو لكونه موجودا معدوما، ويلزم تحصيل الحاصل. وهذا من قبيل التنبيه، وإلّا فهو بديهيّ الانتفاء .
الثاني ينقل فيه الكلام للثاني ، فإمّا يدور ظاهرا، أو يتسلسل معويا ، والاتّفاق ـ أعني وجود ممكن بدون موجد ـ محال أيضا؛ لتساوي طرفي الممكن فمن غير مرجّح محال .
وقد أوضح الإمام عليه السلام ذلك بقوله : (ألا ترى أنّك إذا نظرت إلى بناء مشيّد علمَت أنّ له بانيا وإن كنت لم ترَ الباني ولم تشاهده) فحكمك على أنّ كلّ بناء لابدّ له من بان، وحكمك على نفسك بأنّك قد وُجدت من غير موجد تهافت خلاف الإنصاف ، بل فيه ركوب صعبة الاعتساف ، فإذا لم ترَ خالقك بحسّ العيون، فاعتقده موجودا ليس مثلك، فينتفي عنه حدّ التعطيل والتشبيه .
ولمّا أخذ الزنديق دليل ثبوته تعالى من بين يديه ومن خلفه، سأل عن كنه الحقيقة (قال : فما هو) جهلاً منه بأنّه تعالى لا تُدرك حقيقته ولا ينكشف سرّه، ظانّا أنّ كلّ موجودٍ لابدّ أن يُحَدّ، أو أنّه حاول إسكات الإمام وما درى أنّه عليه السلام أعرف بالمقام .
(قال عليه السلام : شيء) فنفى عنه تعالى حدّ التعطيل ، وقال : (بخلاف الأشياء) فنفى حدّ التشبيه، فلا يشبهه شيء حتّى في حقيقة الشيئيّة، فكلّما توهّم الخاطر شيئا معقولاً أو محسوسا فهو تعالى على خلاف ذلك .
ولمّا كان الزنديق وكلّ ذرّة من ذرّات العالم إنّما فطرت على المعرفة والتوحيد في العالم السابق، وإنّما كفر الكافر في هذا العالم ارتداد كما هو مقتنص من الأخبار قال عليه السلام : (ارجع بقولي) والرجوع إلى الشيء بعد الكون فيه والمضيّ عنه، ولم يقل «قل بقولي» وأمثاله من أفعال طلب المواجهة، ومقول قوله عليه السلام هو المدلول عليه بقوله: (بإثبات معنىً) لايريد به مقابل العين ، بل مقابل اللفظ المدلول عليه به، وإلّا فهو تعالى عين الأعيان.
وفيه ردّ على مَن اعتقد قدم الأسماء (وأنّه شيء بحقيقة الشيئيّة) فالأشياء الاُخر من الممكنات باطلة متهافتة متلاشية بالنظر لذاتها وباطن ماهيّتها، وإنّما قوامها ووجودها منه تعالى : «كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»۱ .

1.القصص (۲۸) : ۸۸ .

صفحه از 178