كوه و كُتَلِ راه علم و عمل (امريه) - صفحه 507

والفرار منه ، وإن لم يحصل العلم بكونه مؤلما ولا بكونه لذيذا لم يحصل في القلب لا رغبة إلى الفرار عنه ولا رغبة إلى تحصيله.
المقدّمة الرابعة : أنّ العلم بكونه لذيذا إنّما يوجب حصول الميل والرغبة في تحصيله إذا حصل ذلك العلم خاليا عن المعارض والمعارق ، فأمّا إذا حصل هذا المعارض يحصل هذا الاقتضاء ، مثاله إذا رأينا طعاما لذيذا فعلمنا بكونه لذيذا إنّما يؤثر في الإقدام على تناوله إذا لم نعتقد أنّه حصل فيه ضرر زائدا.
أمّا إذا اعتقدنا أنّه حصل فيه ضرر ، فعند هذا يعتبر العقل كيفيّة المعارضة والترجيح ، فأيّهما على ظنّه أنّه راجح عمل بمقتضا ذلك الرجحان.
ومثال آخر لهذا أنّ الإنسان قد يقتل نفسه من السطح العالي إلّا أنّه يقدم على ذلك العمل إذا اعتقد أنّه بسبب تحمّل ذلك المؤلم يتخلّص عن مؤلم آخر أعظم منه ، أو يتوسّل إلى تحصيل منفعة أعلى منها حالاً.
فثبت بما ذكرنا أنّ اعتقاد كونه لذيذا أو مؤلما إنّما يوجب الرغبة والنفرة إذا خلا ذلك الاعتقاد عن المعارض.
المقدّمة الخامسة : في بيان أنّ التقدير الذي بيّنّاه يدلّ على أنّ الأفعال الحيوانيّة لها مراتب مترتّبة ترتّبا ذاتيّا لزوما عقليّا ؛ وذلك لأنّ الأفعال لمصدرها القريب هو القوي الموجودة في العضلات ، إلّا أنّ هذه القوى صالحة الفعل والترك ، فامتنع صيرورتها مصدرا للفعل بدلاً عن الترك ، والترك بدلاً عن الفعل ، إلّا بضميه ضمّ إليهما وهي الإرادة.
ثمّ إنّ تلك الإرادة إنّما توجد وتحدث لأجل العلم بكونها لذيذة ومؤلمة ، ثمّ إنّ تلك العلوم إن حصلت بفعل الإنسان عاد البحث الأوّل فيه ، ولزم إمّا الدور ، أو التسلسل ، وهما محالان.
وأمّا الانتهاء إلى علوم وإدراكات وتصوّرات تحصل في جوهر النفس من الأسباب الخارجة ، وهي إمّا الاتّصالات الفاكية على مذهب قوم ، أو السبب الحقيقي ، فهو اللّه تعالى يخلق تلك الاعتقادات ، أو العلوم في القلب.
فهذا تلخيص الكلام في أنّ الفعل كيف يصدر عن الحيوان ، إذا عرفت هذا فاعلم أنّ نقاة الشياطين والوسوسة قالوا : ثبت أنّ المصدر القريب للأفعال الحيوانيّة هو هذه

صفحه از 536