كوه و كُتَلِ راه علم و عمل (امريه) - صفحه 508

القوى المذكورة في العضلات والأوتاد ، وثبت أنّ تلك القوى لاتصير مصادر للفعل والترك إلّا عند انضمام الميل والإرادة إليهما ، وثبتّ أنّ تلك الإرادة من لوازم حصول الشعور لابدّ وأن يكون بخلق اللّه تعالى ابتداء وبواسطة مراتب شأن كلّ واحد منها في استلزام ما بعده على الوجه الذي قرّرناه ، وثبت أنّ ترتّب كلّ واحد من هذه المراتب على ما قبله أمر لازم لزوما ذاتيّا واجبا ؛ فإنّه إذا حسّ بشى ء وعرف كونه ملائما مال طبعه إليه ، وإذا مال طبعه إليه تحرّكت القوّة إلى الطلب ، وإذا حصلت هذه المراتب حصل الفعل لا محالة ، فلو قدّرنا شيطانا من الخارج ، وفرضنا أنّه حصلت له وسوسة كانت تلك الوسوسة عديمة الأثر ؛ لأنّه إذا حصلت تلك المراتب المذكورة حصل الفعل سواء هذا الشيطان أولم يحصل ، وإن لم يحصل مجموع تلك المراتب امتنع حصول الفعل سواء حصل ذلك الشيطان أو لم يحصل ، فعلمنا أنّ القول بوجود الشيطان وبوجود الوسوسة قول باطل ، بل الحقّ أنّه إن اتّفق حصول هذه المراتب في الطرف النافع سمّيناها بالإلهام ، وإن اتّفق حصولها في الطرف الضارّ سمّيناها بالوسوسة.
والجواب : أنّ ما ذكرتموه حقّ وصدق إلّا أنّه لايبعد أن يكون الإنسان غافلاً عن الشيء ، فإذا ذكره الشيطان ذلك الشيء تذكره ، ثمّ عند تذكّره يترتّب عليه الميل إليه ، ويترتّب الفعل على حصول ذلك الميل ، فالّذي أتى به الشيطان الخارجي ليس إلّا ذلك التذكير ، و إليه الإشارة بقوله تعالى حكاية عن إبليس أنّه قال : «وَ مَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى»۱ الآية.
بقي للقائل أن يقول : فإنّ الإنسان إنّما أقدم على المعصية بتذكير الشيطان ، فالشيطان إن كان إقدامه على المعصية بتذكير الشيطان آخر لزم التسلسل.
وإن كان عمل ذلك الشيطان آخر ، ثبت أنّ ذلك الشيطان الأوّل إنّما أقدم على ما أقدم عليه بحصول ذلك الاعتقاد في قلبه، ولابدّ لذلك الاعتقاد الحادث من محدث ما ذلك إلّا اللّه سبحانه تعالى ، وعند هذا يظهر أنّ الكلّ من عند اللّه تعالى.
فهذا غاية الكلام في هذا البحث الدقيق العميق ، وكان حاصل هذا الكلام ما قال سيّد الرسل صلى الله عليه و آله وهو قوله : «أعوذ بك منك». ۲

1.إبراهيم (۱۴) : ۲۲.

2.بحارالأنوار ، ج ۶۰ ، ص ۳۳۴ ـ ۳۳۷.

صفحه از 536