كوه و كُتَلِ راه علم و عمل (امريه) - صفحه 520

يعلمها إلّا العالم ، أو من علّمها إيّاه العالم ، كما يأتي عن النبيّ صلى الله عليه و آله : «القدر سرّ اللّه ، فلا تظهروا سرّ اللّه » ، وفي معناه أخبار اُخر ، فالقول فيه ثمّ منه إلّا أنّه يمكن الإشارة إلى لمعة منه لمن كان أهله بنقل المذاهب وبيانها ؛ فإنّ الآراء أربعة : اثنان فاسدان ؛ وهما الجبر والتفويض اللذان هلك بهما كثير من الناس ، واثنان دائران حول التحقيق ومرجعهما إلى الأمر بين الأمرين ؛ أحدهما أقرب إلى الحقّ والنقول ، وأبعد عن الأفهام والعقول ، وهو طريقة أهل الشهود العارفين بأسرار الاخبار ؛ والآخر بالعكس ، وهو طريقة أهل العقول والأنظار.
وبيان الأوّل عسير لغموضه جدّا ، فلنطوها طيّا ونكتف به بيان. الثانى وإن لم نعترضه لتضمّنه أكثر ما يترتّب على الجبر من المفاسد في بادى ء النّظر القاصر ، إلّا أنّه يخرج عقول الخواصّ من بعض أسباب الحيرة ، ولهذا مال إليه فحول العلماء ، ولنذكر في بيانه ما ذكره بعض المحقّقين موافقا لما حقّقه المحّقق الطوسي نصير الملّة والدين [في] بعض رسائله المعمول في ذلك ، قال : قد ثبت أنّ ما يوجد في هذا العالم فقد قدّر بهيئته وزمانه في عالم آخر فوق هذا العالم قبل وجوده ، وقد ثبت أنّ اللّه ـ عزّوجلّ ـ قادر على جميع الممكنات ، ولم يخرج شيء من الأشياء عن مصلحته وعلمه وقدرته وإيجاده بواسطة أو بغير واسطة ، وإلاّ لم يصلح لمبدئيّته الكلّ ، فالهداية والضلالة ، والإيمان والكفر ، والخير والشرّ ، والنفع والضرر ، وسائر المتقابلات كلّها منتهية إلى قدرته وتأثيره وعلمه وإرادته ومشيّته. إمّا بالذات أو بالعرض ، فأعمالنا وأفعالنا كسائر الموجودات وأفاعيلها بقضائه وقدره ، وهي واجبة الصدور منّا بذلك ، ولكن بتوسّط أسباب وعلل من إدراكاتنا وإرادتنا وحركاتنا وسكناتنا وغير ذلك من الأسباب الحاليّة الغائبة عن علمنا وتدبيرنا ، الخارجة من قدرتنا وتأثيرنا ، فاجتماع تلك الاُمور التي هي الأسباب والشرايط مع ارتفاع الموانع علّة تامّة يجب عندها وجود ذلك الأمر المدبّر ، والمقضيّ المقدّر ، وعند تخلّف شيء منها ، أو حصول مانع بقي وجوده في خير الامتناع ، ويكون ممكنا وقوعيّا بالقياس إلى كلّ واحد من الأسباب الكونيّة.
ولمّا كان من جملة الأسباب ـ وخصوصا القريبة منها ـ إرادتنا وتفكّرنا وتخيّلنا ، وبالجملة ما نختار به أحد طرفي الفعل والترك ، فالفعل اختياريّ لنا ؛ فإنّ اللّه أعطانا

صفحه از 536