كوه و كُتَلِ راه علم و عمل (امريه) - صفحه 521

القوّة والقدرة والاستطاعة ليبلونا أيّنا أحسن عملاً مع إحاطة علمه ، فوجوبه لا ينافي إمكانه ، واضطراريّته لا تدافع كونه اختياريّا ، كيف وإنّه ما وجب إلّا بالاختيار؟! ولا شكّ أنّ القدرة والاختيار كسائر الأسباب من الإدراك والعلم والإرادة والتفكّر والتخيّل ، وقواها وآلاتها كلّها بفعل اللّه تعالى لا بفعلنا واختيارنا ، وإلّا لتسلسلت القدر والإرادة إلى غير النهاية ؛ وذلك لأنّا وإن كنّا بحيث إن شئنا فعلنا ، وإن لم نشأ لم تفعل، لكنّا لسنا بحيث إن شئنا شئنا ، وإن لم نشأ لم نشأ ، بل إذا شئنا فلم يتعلّق مشيّتنا بمشيّتنا ، بل بغير مشيّتنا ، فليست المشيّة إلينا ، إذ لو كانت إلينا لاحتجتنا إلى مشيّة اُخرى سابقة وتسلسل الأمر إلى غاية النهاية ، ومع قطع النظر عن استحالة التسلسل.
نقول : جملة مشيّاتنا الغير المتناهية بحيث لا يشذّ عنها مشيّته لا يخلو ؛ إمّا أن يكون وقوعها بسبب أمر خارج عن مشيّتنا ، أو بسبب مشيّتنا. والثاني باطل لعدم إمكان مشية اُخرى خارجة عن تلك الجملة.
والأوّل هو المطلوب ، فقد ظهر أن ليست تحت قدرتنا كما قال اللّه تعالى: «وَ مَا تَشَآءُونَ إِلَا أَن يَشَآءَ اللّه »۱ فإذا في مشيّتنا مضطرّون ، وإنّما يحدث المشيّة عقيب الداعي وهو تصوّر الشيء الملائم تصوّرا ظنّيّا وتخيّليّا أو علميّا ، فإنّا إذا أدركنا شيئا ، فإن وجدنا ملائمته أو منافرته لنا دفعة بالوهم أو ببديهة العقل انبعث منّا شوق إلى جذبه أو دفعه ، وتأكّد هذا الشوق هو العزم الجازم المسمّى بالإرادة ، وإذا انضمّت إلى القدرة التي هي هيئة للقوّة الفاعلة انبعث تلك القوّة لتحريك الاعظلة الأدوية من العضلات وغيرها ، فيحصل الفعل ، فإذن إذا تحقّق الداعي للفعل الذي تنبعث منه المشيّة تحقّقت المشيّة ، وإذا تحقّقت المشيّة التي تصرّف القدرة إلى مقدورها انصرفت القدرة لا محالة ، ولم يكن لها سبيل إلى المخالفة ، فالحركة لازمة ضرورة بالقدرة ، والقدرة محرّكة ضرورة عند انجزام المشيّة ، والمشيّة تحدث ضرورة في القلب عقيب الدّاعي ، فهذه ضروريّات يترتّب بعضها على بعض ، وليس لنا أن ندفع وجود شيء منها عند تحقّق سابقه ، فليس يمكن لنا أن

1.انسان (۷۶) : ۳۰.

صفحه از 536