شرح ثلاثة أحاديث - صفحه 631

قامته عليه السلام طويلة جدّا بحيث تتجاوز طبقة الزمهرير، وتتأذّى من تلك الحرارة، ويؤيّده ما روي في بعض الأخبار العامّيّة في قصّة عوج بن عناق أنّه كان يرفع السمك إلى عين الشمس ليشويه بحرارتها.
والثاني: أنّه لطول قامته لا يمكنه الاستظلال ببناء ولا جبل ولا شجر، فكان يتأذّى بحرارة الشمس لذلك، وبعد قصر قامته ارتفع ذلك، وكان يمكنه الاستظلال بالأبنية وغيرها.
وأمّا الثاني فقد أُجيب عنه بوجوه شتّى:
الأوّل: ما ذكره بعض مشايخ المعاصرين أنّ استواء الخلقة ليس منحصرا فيما هو معهود الآن، فإنّ اللّه تعالى قادر على خلق الإنسان على هيئة اُخرى كلّ منها فيها استواء الخلقة. ومن المعلوم أنّ أعضاء الإنسان ليست كقامته، فالقادر على خلقنا دونه في القد، وعلى تقصير طوله عليه السلام عن الأوّل، قادر على أن يجعل بعض أعضائه مناسبا للبعض بغير المعهود، وذراع آدم عليه السلام يمكن أن يكون قصيرا مع طول العضد وجعله ذا مفاصل، أو ليّنا بحيث يحصل الارتفاق به والحركة كيف شاء، كما يمكن بهذا الذراع والعضد.
والثاني ما ذكره أيضا وهو أن يكون المراد سبعين قدما أو شبرا، وترك ذكر القدم والشبر لما هو الشائع من كون الإنسان غالبا سبعة أقدام، أو أن بقرينة المقام كان يعلم ذلك كما إذا قيل: طول الإنسان سبعة تبادر منه الأقدام، فيكون المراد أنّه صار سبعين قدما، أو شبرا بالأقدام والأشبار المعهودة في ذلك الزمان كما إذا قيل: غلام خماسي، فإنّه يتبادر منه كونه خمسة أشبار، وعلى هذا يكون قوله: «ذراعا» بدلاً من السبعين بمعنى أنّ طوله الآن وهو السبعون بقدر ذراعه قبل ذلك، وفائدة قوله حينئذ: «ذراعا بذراعه» معرفة طوله أوّلاً، فإنّ من كون الذراع سبعين قدما ـ مع كونه قدمين، والقدمان سُبْعا القامةِ ـ يعلم منه طول الأوّل، فذكره لهذه الفائدة، على أنّ السؤال الواقع بقول السائل: «كم كان طول آدم حين هبط إلى الأرض» يقتضي جوابا يطابقة، وكذا قوله: كم كان طول حوّاء، فلولا قوله: «ذراعا بذراعه» و «ذراعا بذراعها» لم يكن الجواب مطابقا؛

صفحه از 644