19
توضيح المقال في علم الّرجال

ولمّا كان من خصائصه إسقاط المجاهيل ، بناءً على عدم تعقّل فائدة في ذكرهم ، إلاّ أنّه عسى أن يوجب جهلاً في الجهالة ويزيد في الحيرة ، فذكرتهم ـ لاجرم ـ في الحواشي كلاًّ في موضعه ، صوناً للكتاب على وضعه ، فيكون الناظر إليه على بصيرة في أمره وتعين من ذلك في بدو نظره .
وكان من خصائصه أيضاً الاشتمال على ما ذكره المولى المقدّس الأمين الكاظمي ـ أسكنه اللّه بحبوحة جنّته ـ في تميّز المشتركات ، وكان مع استقلاله من عمدة الكتب فيه ، إلاّ أنّ كثيراً من نسخ ذلك الكتاب ممّا رأيناها ليس في كثير من أواخرها ما ذكره السيّد في المشتركات وإن رأينا بعضاً منها مشتملاً عليها بتمامها .
فكأنّ الشيخ «أبو عليّ» في أوّل أمره لم يظفر على نسخة المشتركات بتمامها ، أو لم ير الاستقصاء بها ، ثمّ ظفر عليها بتمامها أو رأى الاستقصاء بها ، فألحق بالآخر ما لم يذكره منها في أوّل الأمر ، وظفرتُ أيضاً على نسخة كاملة في المشتركات معتبرة مصحّحة ، وانتهيتُ في التصحيح والنقل أيضاً بما تيسّر وأَثْبَتُّها بتمامها كما ذكر .
ثمّ سَنح بخاطري وخطر بخَلَدي أنْ أُلْحِقَ بالكتاب كتاباً كتبه ومجموعاً جمعه الشيخُ العالم العادل والفاضل الباذل البارع البديل والزاهد النبيل والنحرير المرضي والحبر الرضي المولى عليّ الرازي ، وللّه درّه سلّمه اللّه ، فقد صنّف كتاباً ذكر فيه أكثر المسائل المُحتاج إليها في علم الرجال ، وأكثرَ مايحتاج إليه في علم الدراية ، ممّا لم يفض بختامها الفحول من الرجال ، ولم يسفر عن وجوهها أعاظم أُولئك الأبدال .
ولعمري إنّه وفّقه اللّه لقد فاز في هذا الفنّ بالحظّ الأوفى ، واستقسم من بين الأزلام بالقدح المعلّى ، فأفاد في كتابه ما أفادوه ، وزاد عليه ، وأثبت فيه ما أثبتوه ، وأضاف إليه فيما يتعلّق بمعرفة ذوات الرجال و في تشخيص جملة من أجلاّء الرواة ، التي اختلفت الآراء في تميّزهم وفيما جرى الاصطلاح عند علماء الرجال في مقام المدح أو الذمّ ، وغير ذلك من المطالب والمقاصد ، يظهر حقيقة الحال وصدق المقال بالمراجعة إلى ذلك . وأشار سلّمه اللّه تعالى ـ إلى ما اشتمل عليها من المقاصد والمطالب في فهرس ، لتسهيل الأمر على الطالب . وقال :


توضيح المقال في علم الّرجال
18

أمّا بعد ، فمن المعلوم أنّ علم الدراية في معرفة ما يتعلّق بسند الرواية ومتنها من مهمّات العلوم الدينيّة وأهمّها ، وضروريّات المعارف النظرية وأعمّها ، وكذا علم الرجال ، وجملة من المسائل المندرجة في علم الأُصول ممّا يستحقّ أن يتسلسل في هذا السلسال ، فإنّ الاستدلال منحصر في العقل والنقل بالضرورة ، وليس للعقل مسرح في الشرع بالبديهة ، فلايكاد ينتظم حكم من الأحكام الفرعية وكذا الاُصول النظرية إلاّ بالمراجعة إلى النقل من الكتاب والسنّة .
ولها مقدّمات وقواعد وأحكام وضوابط جرت العادة بذكر طرف منها في الأُصول ، وآخر في علم الدراية ، وآخر في علم الرجال ، وبقيت جملة منها في جانب الإجمال وقالب الإهمال .
ومشايخ هذا الفنّ أيضاً شكر اللّه مساعيهم ـ مع بذل جهدهم واستفراغ وسعهم ـ أتوا بما تأتّى منهم شَططاً ، فذكروا في كلّ باب نمطاً ، وثبطوا عن الاستقصاء فيها ثبطاً ، فإنّ ما أفادوه خلاصة ممّا يليق بالمقام من منهج المقال ، وما أجادوه فهو نقد ممّا انتقدوه في نقد الرجال ، وما بسطوه ونشطوه فهو فهرست هذه التفاصيل من منتهى المقال .
إلاّ أنّ كتاب منتهى المقال في علم الرجال ممّا ألّفه الشيخ العالم والفاضل الكامل والبارع الورع والحَبْر المطّلع ، مهبط عناية اللّه الأزلي محمّد بن إسماعيل المدعوّ ب «أبي عليّ» في هذه الأعصار المتأخّرة من حدود المائة الثانية عشر من الهجرة ، ـ جزاه اللّه عن العلماء أفضل جزاء مَنْ أتى بالحسنة ـ كتابٌ شافٍ في علم الرجال ، وجامع وافٍ عن الرجوع إلى ما يحتاج إليه في هذا المجال ، لم يعمل مثله في الزبر ، وإنّما هو مصداق للمثل السائر «كم ترك الأوّل للآخر» قد احتوى على فوائد لم تذكر في الدفاتر ، وخرائد ۱ لم تنظر في النظائر .
ولمّا أردت أنا أن أجمع في هذا الباب كتاباً جامعاً ومجموعاً نافعاً ، كان مُغنياً عن المراجعة إلى غيره من الكتب والدفاتر ، عمدتُ إليه واشتهيتُ إليه .

1.. مفردها خَرِيدة ، وهي اللؤلؤة قبل ثقبها . انظر : لسان العرب ، ج ۴ ، ص ۵۶ ،(خرد)

  • نام منبع :
    توضيح المقال في علم الّرجال
    سایر پدیدآورندگان :
    مولوی، محمد حسين
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1379
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 67522
صفحه از 344
پرینت  ارسال به