وأمّا على الوجه الآخر : فلأنّ نفي مفاد أحد مداليل لفظٍ لايلازم نفي غيره ، إن هو إلاّ كعامٍّ خُصَّ أو مطلقٍ قُيِّد ، ولذا لو نفى نافٍ فقاهةَ شخص أو كلاميّته ، لم يخرج به عن ظهور قولهم : «علاّمة» في حقّه في كونه عالماً بعلمٍ آخر ممّا اصطلح لفظ «العلاّمة» فيه .
ومن هنا لو ثبت أنّ مَنْ أخبرنا بكونه صبّاغاً أو نجّاراً أو بنّاءً أو غير ذلك لايعلم بعض ما هو من صنعته من عملٍ خاصّ ، لم يكذب المخبر المذكور أصلاً ورأساً ، بل الأمر في المقام أظهر ؛ لعدم ارتباط بعض الاُمور المزبورة ببعض ، كارتباط الأعمال الخاصّة المعتبرة في كلّ صنعة من الصنائع المشار إليها .
ومن هنا لو نفى نافٍ في المثال كونه صائغاً أو نجّاراً ، لم نحكم بأنّ المنفيّ هو مجموع معرفته بالأعمال الخاصّة المتداولة في صنعته من حيث المجموع لاجميعها ، بل نحكم بنفي الجميع وأن ليس له هذه الصنعة أصلاً ، بخلاف المقام .
فلو صرّح غيره أو هو بنفسه بأنّه ليس بثقة لم نحكم بنفي كلٍّ من الاُمور المزبورة في حقّه ، بل إمّا نحكم بانتفاء أحدها لا على التعيين ، وتبقى الثمرة بينه وبين نفي الجميع فيما لو صرّح ثالث بوجود أحد الاُمور المذكورة ، فيتعارض على الأخير ، بخلاف الأوّل ، أو نحكم بانتفاء العدالة خاصّةً ، وهو الأظهر ، إمّا لأنّها لمّا كانت أظهر استفادةً من إثباتها فكذلك في نفيها ، كما هو المقرّر في غير ذلك من الألفاظ ، أو لخصوصيّة في تسليط النفي عليها ، فإنّه المتبادر من إطلاق ذلك .
ولاينافي الأوّل ما نقلناه عن أهل اللغة من ظهورها في الثبت والضبط ، ولازمه نفيه في النفي ؛ إذ العرف بخلافها في هذا الظهور .
[و] الأمر الخامس : أنّ قولهم : «ثقة في الحديث» أو «في الرواية» هل هو مثل قولهم : «ثقة» فيما مرّ أم لا؟ الظاهر أنّه كذلك في استفادة الضبط والإماميّة ، بل لعلّه بالنسبة إلى الأوّل أظهر .
وأمّا في استفادة العدالة بالمعنى الأخصّ أو الأعمّ فلا يخلو من نوع خفاء ؛ لظهور التقييد في اختصاص وثاقته بالرواية ، ولعلّ المستفاد منه كونه متحرّزاً عن الكذب ، وهو الذي نقل عن الشيخ رحمه الله كفايته في حجّيّة الخبر ، بل وزيادة اهتمامه في الرواية