بقرائن الصدق منافٍ للحاجة إلى علم الرجال ؛ لعدم الحاجة حينئذٍ إلى التعديل ، وذلك لأنّ منشأ الحاجة ليس خصوص إثبات العدالة ، بل مطلق الوثاقة والمدح المعتبر ، وهما لايُعلمان إلاّ بالرجال . نعم هو منافٍ لعموم أدلّة المنع عن قبول قول الفاسق ومخصّص له .
وإليه ينظر جوابهم ـ بعد اشتراط العدالة في اعتبار الرواية ـ عن الإيراد بمنافاته لاعتبار الموثّق وغيره ، بأنّ المراد اعتباره بغير تبيّن وتثبّت ، لدلالة آية النبإ على عدم الاشتراط حينئذٍ ، فهي المخصّصة لما ذكر ، وأنّ الرجوع إلى ما قيل في حقّ الراوي الفاسق أو بالنسبة إلى روايته من التوثيق والمدح وغيرهما من المعاضدات نوعُ تثبّت ؛ لأنّه أعمّ من القطع والظنّ ، والأخير حاصل بالرجوع .
وما يتوهّم وروده على هذا ـ بأنّ لازمه توقّف اعتبار قول العدل أيضاً عليه ، إذ لا اعتبار به قبل معرفة عدالته ، والرجوع إلى تعديله تثبّت كما ذكر ، والحاصل أنّ مع فقد هذا التثبّت لا يعتبر قولهما معاً ، ومعه يُعتبر كلٌّ منهما معاً . فأين موضع الاشتراط ؟ ـ فمندفع : بأنّ الرجوع في التعديل لإحراز الشرط ، وفي غيره للتثبّت وإن كان هذا لازمَ الحصول للأول أيضاً ، ومع ذلك لا يخلو من نظر .
والأَولى التزام التخصيص بأدلّة اعتبار ما ذكر من عمل الطائفة كما ذكره الشيخ والمحقّق وغيرهما ، وغير ذلك ، أو حمل الفسق على المخالفة في الفروع كما لعلّه الظاهر منه عند الإطلاق وكان مورد الآية وإن لم يوجب تخصيص العموم ، وهذا مقابل العدالة في المذهب وإن كان الظاهر من إطلاقها الإطلاق ، كما صرّحوا بذلك فيها وفي التوثيق .
ولا يلزم هذا فساد من جهة التقابل بينهما ؛ لأنّه بين المعنيين الأصليّين دون ما ينصرف إليه الإطلاق ، فالتقابل بين مطلق أحدهما ومقيّد الآخر ، كما لايخفى .
ومنها : أنّ سيرة العلماء قديماً وحديثاً على تدوين كتب الرجال وتنقيحها وتحصيلها بالاشتراء والاستكتاب ، وعلى مطالعتها والرجوع إليها في معرفة أحوال الرواة ، والعمل بها في الاعتداد برجالٍ ، والطعن في آخرين ، والتوقّف في طائفة ثالثة ،