43
توضيح المقال في علم الّرجال

ويؤيّد هذا التزام مَنْ تأخَّر بالرجوع إلى الرجال ، وتوصيف بعض الأخبار بالصحّة والوثوق والاعتبار وتضعيف بعض آخر ، وعدم اكتفاء بعضهم بتوصيف غيره وإن كان أعرف منه بالرجال ، بل الخلاف بينهم في كثير من التصحيحات والتضعيفات واضح معلوم للمراجِع إلى كتبهم .
وكون الصحّة عند القدماء أعمّ مطلقاً أو من وجه من الصحّة عند المتأخّرين لاينافي ماسمعت ، وإنّما ينافيه لو ثبت أنّ أسباب الصحّة عندهم مأخوذة من غير الرجال ، ولم يثبت ، بل الثابت ـ بملاحظة ما أشرنا إليه ـ خلافه .
نعم ، أخذ البعض من غيره هو الظاهر منهم ، ولا يقدح في إطلاق الافتقار ؛ إذ الظاهر أنّ مرادهم بالصحيح هو المعمول به ، وهو أعمّ من الصحيح عند المتأخّرين أيضاً ، فكما أنّ عموم العمل عندهم غير قادح في إطلاق الافتقار إلى الرجال ، فكذا عموم الصحّة عند القدماء والاختلاف في التسمية .
وفي الوجوه المزبورة كفاية عن غيرها خصوصاً في هذا المختصر ، وأنّ المسألة مفصَّلة في الاُصول .
ولكن لابأس بالإشارة إلى بعض شبهات الخصم ، التي أخذوها أدلّة وبراهين ، مع الإشارة إلى بعض ما فيها . وإنّما نتعرّض لشبهات الأخبارية ، والمفصّل بين صورة التعارض وغيرها ، وبين وجود الشهرة الراجحة المعتبرة في المسألة وعدمه ، والمكتفي بتصحيح الغير ؛ لأنّها هي المتعلّقة بالمقام . ولانتعرّض لشبهات الحشويّة ومنكري اعتبار أخبار الآحاد ، لأنّها في مقام حجّية الآحاد ، وهي مسألة طويلة الذيل من مسائل الأُصول ، لا من مسائل المقام ، مع أنّ الظاهر انقطاع القولين في أزماننا ؛ إذ لم نظفر على قائل بأحدهما .
مضافاً إلى أنّ نفي الطائفة الاُولى لإطلاق الافتقار غير معلوم كما أشرنا إليه ، وكذا أصل نفيه من الثانية ؛ لاحتمال جَعْلهم الرجال من أسباب العلم الواجبة بوجوبها ، ولعلّه الظاهر ؛ لتعرّضهم لأحوال كثير من الرواة بالمدح والقدح عند الاستدلال بأخبارهم في كتبهم الفقهيّة وغيرها ، مع أنّ رئيسهم ـ وهو المرتضى ـ صرّح في


توضيح المقال في علم الّرجال
42

حتّى أنّ كثيراً منهم كانت له مهارة في هذا العلم ، كالصدوق والمفيد والطوسي وغيرهم من مشايخ الحديث ، بل ربّما أمكن أن يقال : اهتمام المتقدّمين فيه كان أزيد من المتأخّرين ، وأيّ عاقل يرضى بكون ذلك كلّه لغواً مكروهاً أو حراماً! فليس إلاّ للافتقار إليه . بل ربّما يظهر من عدم ارتكابهم مثل ما ذكر بالنسبة إلى سائر ما يتوقّف عليه الفقه : أنّ الافتقار إليه أشدّ وأعظم ، ولعلّه كذلك بعد سهولة أكثر ذلك في حقّهم وفي زمانهم دون الرجال ، كيف! وبه يعرف ما به الحجّة في حقّهم عن غيرها ، ومنه يحصل الاطمئنان أو الظنّ المستقرّ بما استفيد من الأحكام عن الأخبار .
وحيث إنّ المفصّل في الافتقار النافي له على الإطلاق شاذٌّ نادر بل غير معلوم القائل ظهر أنّ الافتقار على الإطلاق .
وبتقرير آخر : أنّ ما سمعت منهم خصوصاً بعد ملاحظة ما في كتب الاُصول من الاتّفاق على اشتراطه في الاجتهاد يكشف قطعيّاً عن بنائهم على الافتقار إليه واشتراطه في الاستنباط ، وعن رضا المعصوم عليه السلام بذلك ، وهل ينقص هذا من الإجماعات المتكرّرة في كلماتهم؟ فأمّا مخالفة مَنْ مرّ فلا تقدح فيه ؛ لوضوح فساد شبهاتهم كما يأتي ، ولسبقهم بالإجماع والسيرة ولحوقهم عنه .
ومنها : أنّ سيرة الرواة والمحدّثين إلى زمن تأليف الكتب الأربعة بل إلى تأليف الثلاثة المتأخّرة ـ الوافي والوسائل والبحار ـ على الالتزام بذكر جميع رجال الأسانيد ، حتّى أنّ أحداً لو أسقطهم أو بعضهم في مقام ، أشار إليهم في مقام آخر ، كما في الفقيه والتهذيبين ، مع التصريح بأنّه للتحرّز عن لزوم الإرسال والقطع والرفع المنافية للاعتبار ، ومن المعلوم أنّ ذلك كلّه لأن يعرفهم الراجع إلى كتبهم ويجتهد في أحوالهم على حسب مقدوره ، فيميّز الموثوق به الجائز أخذ الرواية منه عن غيره ، وإلاّ لزم اللغويّة، فيُعلم الافتقار والكشف عن الاشتراط كما فيثاني تقريريالوجه السابق ، فلو كان بناؤهم على اعتبار ما فيها من غير ملاحظه أحوال الرواه للأخذ من الاُصول الأربعمائة أو غيره من قرائن الاعتبار أو القطع بالصدور ، لكان تطويل الكتب بذكر الجميع لغواً مكروهاً أو مُحرَّماً ، وقد مرّ بطلان نفي الافتقار في الجملة ، فثبت الافتقار المطلق .

  • نام منبع :
    توضيح المقال في علم الّرجال
    سایر پدیدآورندگان :
    مولوی، محمد حسين
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1379
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 67577
صفحه از 344
پرینت  ارسال به