69
توضيح المقال في علم الّرجال

ونفيُ المنتقى وجود أكثر أنواعه في أخبارنا منافٍ لما طفحت به عباراته ، وقد وَضَع الكتاب المزبور في الأحاديث الصحاح والحسان ، إلاّ أن يريد على مذهبه من اعتبار التعدّد في المزكّى والجارح نفي صحيح أو موثّق وهكذا على وجود التعدّد في كلّ واسطة ، ومع ذلك فهو كما ترى .
وأمّا ما استند إليه المفصّل في الافتقار إلى الرجال بين صورة تعارض الأخبار فالافتقار ، وغيرها فالعدم ، فعلى الأخير بعض ما مرّ في شبهات النافي له على الإطلاق ، والذي وقفت على حكاية استناده إليه أنّ أخبارَ الكتب الأربعة ـ لأخذها من الاُصول المعتمدة بشهادة مؤلّفيها ـ معتضَدَةٌ بقرائن الوثوق والصحّة .
وعلى الأوّل ما مرّ أيضاً في سند المشهور ، وفي المناقشة مع النافي من دلالة الأخبار على الترجيح بالأعدليّة وغيرها وممّا يُعلم بالرجال ، بل بشهادة الاعتبار القاضي بأخذ الراجح دون المرجوح ودون التسوية بينهما ؛ لقبحهما ، وقد مرّ ما في الوجه الأوّل مفصّلاً ومتفرّقاً .
وأمّا وجه التفصيل بين وجود شهرة معتبرة على وفق بعض الأخبار وغيره ـ وقد مرّ ، أنّا لم نجد به قائلاً وإنّما هو لازم عمل جماعة ـ فهو أنّ الشهرة من أقوى المرجّحات المنصوصة والاعتباريّة ؛ لوضوح قوّة الظنّ بتراكم الظنون من شخص واحد فكثيراً مّا ينتهي إلى القطع ، بل لعلّ أغلب العلوم من هذا الباب .
وكذا إذا كانت من أشخاص ، فإنّ موافقة الآراء ـ خصوصاً مع شدّة اختلاف الأفهام ـ من أقوى أسباب الاعتضاد والقوّة .
وأيضاً فغالب أحكام هذا المذهب كغيره من المذاهب ممّا لم يذهب بذهاب الموجودين من أهله في كلّ طبقة ، بل وصل من التقدّم إلى المتأخّر يداً بيد .
قال في بعض مقدّمات كشف الغطاء ما مفاده : «إنّه لاحاجة في كلّ مسألة إلى مراجعة الكتاب والسنّة ، بل هُما ممّا ينبغي أخذهما ذخيرة ليوم الفاقة ، وهو حيث تعارض مقتضى القواعد وفُقِد الإجماع ولم يُعلم ما كان في أيدي الطائفة المحقّة ، وإلاّ فلا افتقار إليهما ؛ لأنّ مذهبنا ليس أقلّ من المذاهب الأربعة عن أربابها وكلّ أو


توضيح المقال في علم الّرجال
68

وأغرب من ذلك دعوى استلزامه قطعيّة جميع الأحاديث ، كما هو واضح على المطّلع بطريقة الأصحاب ، ويأتي في باب ألفاظ المدح والقدح مايتّضح به فساد ما توهّمه في ذلك وفي حكمهم بالفسق إذا قيل في حقّ الرجل : إنّه ضعيف في الحديث .
وأَولى ما يُعتذر له أنّه غير خبيرٍ بطريقة الأصحاب .
وأغرب من ذلك كلّه دعوى استلزامه لتخطئة جميع الطائفة ، كيف! وهُمْ كثير من الطائفة إن لم يكونوا أكثرهم؟
وليس المراد من القوم الذين أشار إليهم المحقّق أهل هذا الاصطلاح ؛ لوضوح طرحهم كثيراً من سليم السند وعملهم بكثير من ضعيفه ، وإن كانوا هم المراد للمحقّق ، فالخطأ منه ، فلاحِظْ كتب رئيس هذه الطائفة وهو العلاّمة ثمّ اعرف .
وأمّا ما ذكره من مخالفة الاصطلاحين وأنّه من المتقدّمين موافق لطريقة الخاصّة وموجب للعلم ومأخوذ عن أهل العصمة عليهم السلامومُجمع عليه بخلافه من المتأخّرين ، فإن أراد نفس التسميتين ، فمع أنّه لامشاحّة فيها فيه : أنّ شيئاً منهما غير مأخوذٍ عنهم عليهم السلامولاإجماع على أحدهما ، ولاضير في مخالفة مثله .
وإن أراد حجّيّة المصطلح عليه عند طائفة ـ كما ذكر ـ بخلاف حجّيّة الآخر ، ففيه :أنّ مصطلح المتأخّرين ليس على خلاف ما ذكره ؛ لما أشرنا إليه من ثبوت الدليل عليه من الكتاب والسنّة بل الإجماع ، بل أشرنا فيما سبق إلى أن لا مخالفة بينهم من هذه الجهة ، وإنّما الخلاف في تسمية الأحاديث المعتبرة بهذا الاسم أو باسم المعمول عليه عند المتأخّرين وباسم الصحيح عند القدماء ، كتسمية خلافها بخلاف هذه الأسامي .
نعم ، لاننكر وجود مَن اقتصر في الحجّيّة على الصحيح عند المتأخرين ، إلاّ أنّه إمّا نادر أو مخالف لما اقتضته الأدلّة من الكتاب والسنّة والإجماع القولي والعملي محقّقاً ومحكيّاً .
وفي الخامس أنّ اعتراف البعض على فرض ثبوته إنّما يقدح في حقّه لوضوح عدم مضي الإقرار في حقّ غيره ، ومع ذلك فله تعيين موضع التقسيم في أخبار غير الكتب المشهورة .

  • نام منبع :
    توضيح المقال في علم الّرجال
    سایر پدیدآورندگان :
    مولوی، محمد حسين
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1379
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 67547
صفحه از 344
پرینت  ارسال به