بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[ 3 ] كِتَابُ التَّوْحِيدِ
1 ـ بَابُ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَإِثْبَاتِ الْمُحْدِثِ
۲۱۵.أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ :حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَنْصُورٍ، قَالَ : قَالَ لِي هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ: كَانَ بِمِصْرَ زِنْدِيقٌ يَبْلُغُهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام أَشْيَاءُ، فَخَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ لِيُنَاظِرَهُ، فَلَمْ يُصَادِفْهُ بِهَا، وَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ خَارِجٌ بِمَكَّةَ، فَخَرَجَ إِلى مَكَّةَ وَنَحْنُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، فَصَادَفَنَا وَنَحْنُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام فِي الطَّوَافِ، وَكَانَ اسْمَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَكُنْيَتَهُ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ، فَضَرَبَ كَتِفَهُ كَتِفَ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «مَا اسْمُكَ»؟ فَقَالَ: اسْمِي عَبْدُ الْمَلِكِ، قَالَ: «فَمَا كُنْيَتُكَ؟» قَالَ: كُنْيَتِي أَبُو عَبْدِ اللّه ِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «فَمَنْ هذَا الْمَلِكُ الَّذِي أَنْتَ عَبْدُهُ؟ أَمِنْ مُلُوكِ الْأَرْضِ ، أَمْ مِنْ مُلُوكِ السَّمَاءِ؟ وَأَخْبِرْنِي عَنِ ابْنِكَ: عَبْدُ إِلَهِ السَّمَاءِ، أَمْ عَبْدُ إِلَهِ الْأَرْضِ؟ قُلْ مَا شِئْتَ تُخْصَمْ».
قَالَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ: فَقُلْتُ لِلزِّنْدِيقِ: أَمَا تَرُدُّ عَلَيْهِ؟ قَالَ: فَقَبَّحَ قَوْلِي، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «إِذَا فَرَغْتُ مِنَ الطَّوَافِ ، فَأْتِنَا».
فَلَمَّا فَرَغَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، أَتَاهُ الزِّنْدِيقُ، فَقَعَدَ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام وَنَحْنُ مُجْتَمِعُونَ عِنْدَهُ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام لِلزِّنْدِيقِ: «أَتَعْلَمُ أَنَّ لِلْأَرْضِ تَحْتاً وَفَوْقاً؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَدَخَلْتَ تَحْتَهَا؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَمَا يُدْرِيكَ مَا تَحْتَهَا؟» قَالَ: لَا أَدْرِي ، إِلَا أَنِّي أَظُنُّ أَنْ لَيْسَ تَحْتَهَا شَيْءٌ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «فَالظَّنُّ عَجْزٌ لِمَا لَا تَسْتَيْقِنُ».
ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «أَفَصَعِدْتَ السَّمَاءَ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «أَفَتَدْرِي مَا فِيهَا؟» قَالَ: لَا ، قَالَ: «عَجَباً لَكَ! لَمْ تَبْلُغِ الْمَشْرِقَ، وَلَمْ تَبْلُغِ الْمَغْرِبَ، وَلَمْ تَنْزِلِ الْأَرْضَ، وَلَمْ تَصْعَدِ السَّمَاءَ، وَلَمْ تَجُزْ هُنَاكَ؛ فَتَعْرِفَ مَا خَلْفَهُنَّ وَأَنْتَ جَاحِدٌ بِمَا فِيهِنَّ؟! وَهَلْ يَجْحَدُ الْعَاقِلُ مَا لَا يَعْرِفُ؟».
قَالَ الزِّنْدِيقُ: مَا كَلَّمَنِي بِهذَا أَحَدٌ غَيْرُكَ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «فَأَنْتَ مِنْ ذلِكَ فِي شَكٍّ، فَلَعَلَّهُ هُوَ، وَلَعَلَّهُ لَيْسَ هُوَ» . فَقَالَ الزِّنْدِيقُ: وَلَعَلَّ ذلِكَ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «أَيُّهَا الرَّجُلُ، لَيْسَ لِمَنْ لَا يَعْلَمُ حُجَّةٌ عَلى مَنْ يَعْلَمُ، وَلا حُجَّةَ لِلْجَاهِلِ ، يَا أَخَا أَهْلِ مِصْرَ، تَفَهَّمْ عَنِّي؛ فَإِنَّا لَا نَشُكُّ فِي اللّه ِ أَبَداً، أَمَا تَرَى الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَاللَّيْلَ وَالنَّهَارَ يَلِجَانِ فَلَا يَشْتَبِهَانِ، وَيَرْجِعَانِ قَدِ اضْطُرَّا لَيْسَ لَهُمَا مَكَانٌ إِلَا مَكَانُهُمَا، فَإِنْ كَانَا يَقْدِرَانِ عَلى أَنْ يَذْهَبَا، فَلِمَ يَرْجِعَانِ؟ وَإِنْ كَانَا غَيْرَ مُضْطَرَّيْنِ، فَلِمَ لَا يَصِيرُ اللَّيْلُ نَهَاراً، وَالنَّهَارُ لَيْلاً؟ اضْطُرَّا ـ وَاللّه ِ يَا أَخَا أَهْلِ مِصْرَ ـ إِلى دَوَامِهِمَا، وَالَّذِي اضْطَرَّهُمَا أَحْكَمُ مِنْهُمَا وَأَكْبَرُ» . فَقَالَ الزِّنْدِيقُ: صَدَقْتَ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «يَا أَخَا أَهْلِ مِصْرَ، إِنَّ الَّذِي تَذْهَبُونَ إِلَيْهِ، وَتَظُنُّونَ أَنَّهُ الدَّهْرُ، إِنْ كَانَ الدَّهْرُ يَذْهَبُ بِهِمْ، لِمَ لَا يَرُدُّهُمْ؟ وَإِنْ كَانَ يَرُدُّهُمْ، لِمَ لَا يَذْهَبُ بِهِمْ؟ الْقَوْمُ مُضْطَرُّونَ يَا أَخَا أَهْلِ مِصْرَ، لِمَ السَّمَاءُ مَرْفُوعَةٌ ، وَالْأَرْضُ مَوْضُوعَةٌ؟ لِمَ لَا تَسْقُطُ السَّمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ؟ لِمَ لَا تَنْحَدِرُ الْأَرْضُ فَوْقَ طِبَاقِهَا، وَلَا يَتَمَاسَكَانِ، وَلَا يَتَمَاسَكُ مَنْ عَلَيْهَا؟» . قَالَ الزِّنْدِيقُ: أَمْسَكَهُمَا اللّه ُ رَبُّهُمَا وَسَيِّدُهُمَا.
قَالَ: فَـآمَنَ الزِّنْدِيقُ عَلى يَدَيْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ حُمْرَانُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنْ آمَنَتِ الزَّنَادِقَةُ عَلى يَدَيْكَ فَقَدْ آمَنَ الْكُفَّارُ عَلى يَدَيْ أَبِيكَ.
فَقَالَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي آمَنَ عَلى يَدَيْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : اجْعَلْنِي مِنْ تَلَامِذَتِكَ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «يَا هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ، خُذْهُ إِلَيْكَ وَعَلِّمْهُ» فَعَلَّمَهُ هِشَامٌ؛ فَكَانَ مُعَلِّمَ أَهْلِ الشَّامِ وَأَهْلِ مِصْرَ الْاءِيمَانَ ، وَحَسُنَتْ طَهَارَتُهُ حَتّى رَضِيَ بِهَا أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام .