533
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

قال الجوهري : «نزع عن الاُمور نزوعا: انتهى عنها» . ۱
وفي القاموس : «نزع الشيء نزوعا: كفّ، وأقلع عنه» . ۲
(ولا إلى ما تركوا رجوعا) أي لم يجدوا سبيلاً للرجوع إلى ما تركوا من المساكن والأموال والأهل والأولاد .
أو المراد أنّ رحيلهم من الدُّنيا إلى الآخرة، وقطع عقبات الموت وما بعده أمرٌ اضطراري، وليس لهم قدرة على الرجوع إلى الدُّنيا بعد الخروج منها، وتدارك ما فات منهم من الأعمال الصالحة .
(جُدّ بهم فجدّوا) .
الباء للتعدية. والفعل الأوّل على بناء المفعول، والثاني على بناء الفاعل .
قال الجوهري : «الجدّ: نقيض الهزل. تقول منه: جَدّ في الأمر يجدّ ـ بالكسر ـ جدّا. والجِدّ : الاجتهاد في الاُمور. تقول منه: جدّ في الأمر يَجِدّ جدّا» ۳ انتهى.
أي حُثّ بهم، ودعوا على المضيّ والإسراع في السير، فاجتهدوا فيهما اضطرارا .
قال بعض الفضلاء :
فيه استعارة تمثيليّة، شبّه سرعة زوال القوى وتسبّب أسباب الموت وكثرة ورود ما يوجب الزوال من الأسباب الخارجة والداخلة برجال يحثّون المراكب، والأجساد بتلك المراكب، والعمر بالمسافة التي يقطعها المسافر، والأجل بالمنزل يحلّ فيه . ۴
وقيل : قوله عليه السلام : «أنتم فيها كركب» إلى قوله : «وركنوا إلى الدُّنيا» شبّههم أوّلاً في نفسه بمن مضى من أمثالهم، ثمّ شبّه من مضى من أمثالهم بالركب الذين وصفهم بما وصفهم، إلى قوله : «فجدوا».
ثمّ انتقل من وصف الركب إلى وصف من مضى؛ أعني من وصف المشبّه به إلى وصف المشبّه ، فقال : (وركنوا إلى الدُّنيا) ؛ تنبيها على التشبيه الأوّل الذي كان في نفسه . انتهى . ۵

1.الصحاح ، ج ۳ ، ص ۱۲۸۹ (نزع) مع اختلاف يسير في اللفظ .

2.القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۸۸ (نزع) .

3.الصحاح ، ج ۲ ، ص ۴۵۴ (جدد) .

4.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۶ ، ص ۴۸ .

5.حكاه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۶ ، ص ۴۸ .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
532

وأنخت البعير فاستناخ؛ أي أبركته، فبرك. واستقلّ القوم: مضوا، وارتحلوا. واستقلّوا: حملوا، ورفعوا .
والغُدوّ: الدخول في الغداة، وهي ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، والذهاب فيها.
والرواح: الدخول في الرَّواح، وهو من زوال الشمس إلى الليل، والمسير فيه .
قيل : ثمّ كثر استعمالهما في الذهاب والمسير؛ أي وقت كان من ليل أو نهار . ۱
وقال بعض الشارحين :
إنّه عليه السلام شبّههم بجماعة الفرسان المسافرين، وأشار إلى وجه الشّبه بقوله : «عرسوا ...» ، وهو متحقّق في المشبّه به حسّا، وفي المشبّه عقلاً، أو شبّههم بالذين ماتوا على أن يكون المراد بالركب الجماعة الماضين بقرينة ما بعده . والوجه وهو ما ذكر متحقّق في الطرفين عقلاً .
توضيح ذلك: أنّ الإنسان ـ وهو النفس حقيقة ـ بعد نزوله في هذا المنزل وهو الدنيا في مدّة قليلة سائر إلى دار الآخرة سريعا، ومركبه البدن والقوى النفسانيّة، وطريق مسيره العالم المحسوس والمعقول، وسيره هو تصرّفه في العالمين لتحصيل السعادة أو الشقاوة في الآخرة.
وفيه ترغيب في الأوّل، وتحذير عن الثاني . ۲
(دخلوا خفافا، وراحوا خفافا) .
الخفاف، بالكسر: جمع الخفيف، وهو ضدّ الثقيل . وضمير الجمع للركب؛ أي دخلوا في الدنيا عند ولادتهم خفافا من أمتعتها، بلا زاد ولا مال، وراحوا، وخرجوا منها عند الموت إلى الآخرة خفافا منه .
ويحتمل كون الخفاف دخولاً وخروجا كناية عن الإسراع.
وفيه على الأوّل تنفير عن الدُّنيا ومتاعها، وعلى الثاني عن الركون إليها بأنّ مدّة إقامتهم فيها ليس لها قدر محسوس .
(لم يجدوا عن مُضيّ نُزوعا) .
الظرف متعلّق بالنزوع؛ أي لم يقدروا على الإباء والامتناع عن المضيّ والذهاب .

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۱۹۷ .

2.شرح المازندراني ، ج ۱۲ ، ص ۱۹۷ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 182054
صفحه از 624
پرینت  ارسال به