281
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

لشرائط التأثير . وسيجيء في باب الاستطاعة زيادة بسط في أحوالها .
ثمّ إنّ متعلّق القدرة ۱ في هذا المقام تدبير العالم على النهج الواقع ، لا جزء من الأجزاء حتّى يتصوّر الشركة في تدبير الكلّ بدلالة قوله عليه السلام : «ويتفرّد بالتدبير» .
وإذ قد ظهر معنى القوّة علم أنّ القديمين القويّين من المستحيلات ؛ لأنّ دفع كلّ واحدٍ منهما اللازمَ للقوّة بالمعنى المذكور ـ وقد أشار عليه السلام إليه بقوله : «فلِمَ لايدفع» إلى آخره ـ يستلزم دفعَ المغلوب حين هو مغلوب للغالب ، والدفع في صورة التكافؤ غير معقول ، فكيف في صورة المغلوبيّة؟
فكأنّه عليه السلام يقول : إنّ كون القديمين قويّين مستحيل هذا ، وأمّا الضعيفان فإذ كان كلّ منهما فاقدَ الاستطاعة على تدبير العالم ، فيجوز في جليل النظر أن يكونا واقعين ، وكان هذا التدبير منهما معا ؛ إمّا بالمشاركة والمشاورة ، أو بتفويض أحدهما الأمرَ إلى صاحبه، وكفّ الممانعة والمضادّة ، والاحتياج في التدبير غير منافٍ للقِدَم ، وإنّما المنافي الاحتياج في الذات ولوازم الذات ، فلابدّ من التعرّض لإبطال هذا الشقّ ، ولعلّه عليه السلام أخّر ذلك ليدرجه في شقوق قوله فيما بعد : «فإن قلت : إنّهما اثنان» كما سيظهر عند شرحه ، فشقّ الضعيفين مبطل بالقوّة ، وكون أحدهما قويّا والآخر ضعيفا موجب المقصود من أنّ المدبِّر واحد، وما عداه مدبّر بتدبيره عاجز عن المشاركة ؛ لأنّ القويّ دافعه ، فهو عاجز عن المشاركة والمضادّة ، ولذا قال عليه السلام : «العجز الظاهر من الثاني» وإن أراك تزعم أنّ ظهور العجز في الثاني من جهة فرض كونه ضعيفا ، وليس الأمر كذلك ؛ لأنّ الضعف ـ كما عرفت من تفسير القويّ ـ عدمُ الاستطاعة على تدبير العالم ، أي إيجاد كلّ جزء منه في الموضع اللائق به على وجه الصواب والحكمة ، ومن لم يستطع على ذلك بانفراده أمكن أن يكون قد فعل بشركة غيره ، والعجز بمعنى المقهوريّة غير الضعف بالمعنى المذكور ، فلا يمتنع أن يكون التدبير الواقع في العالم، الموجبُ لاتّصال جميع أجزائه بعضِها ببعض من قديمين ضعيفين ، فلا يثبت أنّ المدبّر واحد .

1.في حاشية النسخة : «القوّة . ل» .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
280

قال : «نعم ، وفي أصغرَ من البيضة ؛ قد جعلها في عينك وهي أقلّ من البيضة ؛ لأنّك إذا فتحتها عاينت السماء والأرض وما بينهما ، ولو شاء لأعماك عنها» . ۱
أقول : ليتفطّن اللبيب لما روعي من النكتة في قول أمير المؤمنين عليه السلام : «والذي سألتني لا يكون» حيث لم يقل : لا يفعله اللّه ؛ بل أسند عدم الكون إلى ذات المسؤول عنه . وفي قوله : «ومن أقدر ممّن يلطف الأرض ويعظم البيضة؟» فتدبّر .
قوله : (إنَّهُما اثْنَانِ) .[ح ۵ / ۲۲۰]
هذا في الظاهر حَمْل الشيء على نفسه ، ولعلّ توجيهه أنّ الذي تخيّلنا متّصفا بصفة الاثنينيّة اثنان في الواقع أيضا .
قوله : (مِنْ أنْ يَكونا قَدِيمَيْنِ قَوِيَّيْنِ) إلى آخره .[ح ۵ / ۲۲۰]
لم يُنقل أنّ أحدا من أصحاب النِّحَل ذهب إلى أنّ سلسلة العلل والمعلولات لا إلى نهاية في طرف الماضي ، ولا أنّ المبدأ وُجد بالترجيح أو الأولويّة الذاتيّة ، ووجه ذلك أنّ الشيطان وإن كان شديد الحرص على أن يغوي الإنسان كلَّ الإغواء ، ويدخلَه في الجهالات والضلالات ، إلّا أنّه لا يستطيع أن يشكّك في البديهيّات ، وبطلانُ الترجيح والأولويّة والذهاب إلى غير النهاية من البديهيّات ، والدلائلُ المسطورة في الكتب على سبيل الاستظهار ومن باب إقامة البرهان على المطالب الهندسيّة ، الذي في غاية الظهور ، ولأجل هذا لم يتعرّض الإمام عليه السلام لإثبات المبدإ القديم ، بل جعله من المسلّمات ، وأبطل تكثّره ، فاستوفى شقوق القديمين باعتبار القوّة .
والمراد بالقوّة الاستطاعة بنفسه على الإطلاق ؛ أي بلا مدخليّة الغير ، سواء كان بالمشاركة، أو بتفويض الأمر إليه وعدم الممانعة ، لا مجرّد القدرة ؛ وذلك لأنّ نسبة القدرة إلى الفعل والترك على السواء ، فلا يتحقّق الفعل بمجرّدها ، بل لابدّ من أمرٍ آخَرَ وجوديٍّ ينضمّ إليه حتّى يتعلّق به ، ورفع الموانع وتهيّؤ الآلات وسائر مايحتاج إليها ممّا يجامع الفعل والترك مأخوذ مع القدرة ، والاستطاعةُ هي القدرة المستجمعة

1.التوحيد ، ص ۱۳۰ ، ح ۱۱ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 128111
صفحه از 637
پرینت  ارسال به