73
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

والخنفساء والديدان البدنيّة التي تتولّد في البطن من البلغم ، والديدان المنتنة التي تقع على الزروع والأشجار ، والضفادع والحلزونات إلى غير ذلك .
وبعد الإحاطة بما ذكرنا ظهر لك حقيقة قوله تعالى : «كُونُواْ قِرَدَةً خَـسِـ?ينَ»۱ وقوله : «وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ»۲ ، وما ورد في الأخبار الكثيرة من أنّ بني اُميّة مُسخت بصورة الوزغة ، وعُلم أنّ العبرة بطينة النفوس ، وأمّا الأبدان فهي لباس لها، وقد يبدّل اللباس لحكمة ومصلحة ، وكلا صنفي الخبيث اُبيح في الحكمة ذلّهما ، وهو أنّهما من جهة نفس خباثة النفس ، وكونها مؤذيةً بالإرادة المنبعثة عن خبث ذاتي ، واختصّ صنفٌ منهما بالنكال والإذلال في النشأة الآخرة من جهة سوء الأفعال أيضا لمزيد قوّة لقوّته المدركة ، لا لكونه خارجا عن سنخ تلك الخبائث ، ولا استبعادَ أن يكون بعض أصناف سنخ واحد قابلاً للأدب والتعليم ، وفي عرضة الخطاب والعتاب ، ألم تر تعلّم الجَدْي وتأدّبَه من سائسه وكذلك القردة ، وقد شوهدت من كلّ منهما أفعال على وجه القصد والإرادة ، كانت بها في سلك حذّاق الإنس . وحسبك حجّةً قاطعةً في هذا الباب قوله تعالى : «وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ»۳ .
والحاصل أنّ الصورة الإنسانيّة لهذا الصنف في هذه النشأة لباس عارية لهم ، وسيحشرون بصورهم الأصليّة التي هي صور القردة والخنازير والكلاب ، وناهيك في هذا الباب ما حكى اللّه تعالى عمّن قال: «لِمَ حَشَرْتَنِى أَعْمَى وَ قَدْ كُنتُ بَصِيرًا»۴ وغيرها من الآيات .
وما يصل إليهم في النشأة الآخرة من جهتين : خباثة ذواتهم ، وسيّئ أعمالهم التي تصدر عنهم بشوق وإرادة لانتفاع الأبدان، أو لمحض دعوة خباثتهم الذاتيّة ، ولا خير فيهم؛ «وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأََّسْمَعَهُمْ» ، ۵ والأمر والنهي بالنسبة إليهم من أسباب هيجان شوقهم الذاتي إلى المضادّة والاستكبار والمخالفة ، كما أنّهما بالنسبة إلى النفوس الطيّبة من أسباب

1.الأنفال (۸) : ۲۳ .

2.البقرة (۲) : ۶۵ ؛ الأعراف (۷) : ۱۶۶ .

3.المائدة (۵) : ۶۰ .

4.المائدة (۵) : ۴ .

5.طه (۲۰) : ۱۲۵ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
72

الذي به كان ممكنا خاصّا ـ لم يكن منافيا للحكمة ومضادّا للجبروت والعزّة ، فصحّ إيجادها بصور مختلفة وأمزجة مختلفة لمصالحَ ظاهرة وغير ظاهرة ، فهل يستبعدون إيجاد أخباث صورها الصورة الإنسانيّة ، وسنخها من سنخ تلك الأخباث ، كلّ واحد من سنخ ما يشاكله في الخصال والأفعال ، بأن يكون مردةُ أعداء آل محمّد [... ] كالمتغلّبة من بني اُميّة وبني العبّاس وأضرابهم من سنخ الأفاعي والعقارب والخنازير والذئاب والذباب والكلاب ، ويكونَ أشياعهم فيما بين أسناخ الفأر والبقّ والبراغيث والقُمّل على حسب اختلاف مراتبهم في الأذيّة ، ويكونَ الضرر الواقع من هؤلاء الأشرار على الأئمّة الأطهار وشيعتهم الذين هم فضل طينتهم عليهم السلام ومخالفون في الطينة لاُولئك الأخباث كالضرر الواقع من تلك الهوامّ والحشرات التي في غير الصورة الإنسانيّة على غيرهنّ بإرادة وشوق ذاتي يهيج عند التمكّن ، ويحملهنّ على الإضرار من دون إكراه أو اقتضاء من الطبيعة العنصريّة ، كاقتضاء النار للإحراق بلا شعور وقصد وإرادة ، بل بقصد وشعور وشوق انبعث من خبث ذاتي ، به كنّ ممكناتٍ خاصّةً ومقدوراتٍ خاصّةً .
بل أقول : الحدس الصائب لا يتوقّف في الحكم بأنّ الأخباث الإنسانيّة من سنخ الأخباث المذكورة ، غاية الأمر أنّ قوّة الإرادة فيهم ـ المسمّاة بالشيطنة والنَّكْرى ـ أقوى وأشدّ من قوّة إرادتهنّ بحيث يجري فيها التوبيخ والتعيير ، وبهذا صارت شبيهة بالعقل ، بخلاف قوّة إرادتهنّ . وعلى هذا فأصل قوّة الإرادة التي لا يجب أن يدخل فيها القوّة العقليّة التي هي «ما عُبد به الرحمن واكتسب به الجنان» ۱ صنفان ، بل نقول : كلّ صنف منهما ذو مراتب جدّا ، ففي الصنف الذي يجري فيه التوبيخ والتعيير قوّة كانت لابن الخطّاب وابن العاص ، وقوّة كانت لأبي موسى الأشعري وأبي هريرة ، وفي الصنف الآخَر قوّة تكون للغراب الأبقع والفأر والبرغوث ، وقوّة تكون للقمّل

1.الكافي ، ج ۱ ، ص ۱۱ ، كتاب العقل والجهل ، ح ۳ ؛ المحاسن ، ج ۱ ، ص ۱۹۵ ، ح ۱۵ ؛ معاني الأخبار ، ص ۲۳۹ ، ح ۱ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 144405
صفحه از 637
پرینت  ارسال به