رسالة فى تعيين محمّد بن إسماعيل الواقع فى بداية اسانيد الكلينى - صفحه 542

الحمد للّه على آلائه، والصلاة على سيّد أنبيائه وأوليائه.
وبعد، اعلم أنّ ثقة الإسلام أباجعفر محمّد بن يعقوب الكليني فى كتاب الكافى كثيرا ما يذكر فى صدر السند «محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان» وهو يقتضي روايته (عطّر اللّه مرقده) عن محمّد بن إسماعيل، وقد اضطربت فى تشخصيه أفهام المتأخّرين.
فقال جمع، منهم مولانا المحقّق الفاضل الأحمد الأردبيلي ۱ والعلّامة المدقّق اليزدي ۲ إنّ المراد به الثقة الجليل محمّد بن إسماعيل بن بزيع.
وأيّدوا ذلك بما يفهم من كلام الشيخ الجليل، تقيّ الدين الحسن بن علي بن داود الحلّي فى كتاب الرجال، حيث قال: إذا وردت رواية عن محمّد بن يعقوب عن محمّد بن إسماعيل بلا واسطة، ففي صحّتها قولان، لأنّ فى لقائه له إشكالاً، فتقف الرواية لجهالة الو اسطة بينهما، وإن كانا مرضيّين معظّمين، ۳ انتهى.
والحقّ أنّ هذا الكلام ليس بصريح فى ما ادّعوه، لأنّ الحكم بكون الرواية موقوفةً بجهالة الواسطة، كما يجتمع مع ما ادّعوه، فكذا مع كونه البرمكي صاحب الصومعة، لمّا حقّقه الفاضل الأمين الاسترآبادي فى شرح التهذيب وغيره، من أنّ الشيخين المتقدّمين المعاصرين: أباجعفر الكليني وأباعمرو الكشّي، لم يرويا فى كتابيهما عن البرمكي الرازي إلّا بواسطة، وسيأتي بيان ذلك.
بل لا يبعد أن يقال: إنّ كلام الشيخ تقي الدين المذكور، ربّما كان ألصق بكونه البرمكي، وأوفق به من محمّد بن إسماعيل بن بزيع، نظرا إلى أنّه لم يذكر الإشكال المشهور بين الطلبة، المتداول بين المتأخرين، من أنّ الفضل أدنى طبقةً من ابن بزيع، كما سيأتي؛ فتأمّل.
والحقُّ: أنّه ليس بابن بزيع، ويدلّ على ذلك وجوه:
الأوّل: أنّ محمّد بن إسماعيل بن بزيع من أصحاب الرضا عليه السلام ، وأبي جعفر الجواد عليه السلام ، وقد أدرك عصر الكاظم عليه السلام ، وروى عنه، كما ذكره أئمّة علم الرجال، فبقاؤه إلى زمن الكليني مستبعد جدّا.
الثاني: أنّ النجاشي قال فى ترجمته: إنّه أدرك أباجعفر الثاني عليه السلام ۴ وذكر نحوه العلّامة فى الخلاصة ۵ وهذا يعطي أنّه لم يدرك بعده عليه السلام أحدا من الأئمّة صلوات اللّه عليهم، فإنّ مثل هذه العبارة إ نّما يذكرونها غالبا فى آخر إمام أدركه الراوي، وقد يستعملونها فى أوّل إمام أدركه، فيقال: محمّد بن إسماعيل بن بزيع أدرك الكاظم عليه السلام ، ولا يستعملونها فيما بينهما؛ كما يشهد به الاعتبار والتصفّح فى كلامهم.
الثالث: أنّه رحمه الله لو بقي إلى زمن أبي جعفر الكليني قدّس سرّه، لكان قد عاصر ستّة من الأئمّة عليهم السلام [الثلاثة ]الأُوَل، والهادي والعسكري والحجّة عليهم السلام ؛ وهذه مزيّة عظيمة لم يظفر بها أحد من أصحابهم عليهم السلام ، ومرتبة جليلة لم يتّفق لغيره، فكان ينبغي لعلماء الرجال ذكرها وعدّها من جملة مزاياه رضى الله عنه؛ وحيث لم يذكر ذلك أحد منهم فى كتبهم التي وقفنا عليها مع أنّه ممّا تتوفّر الدواعي على نقله عُلِمَ أنّه غير واقع.
الرابع: أنّ محمّد بن إسماعيل، الذي يروي عنه الكليني بغير واسطة، يروي عن الفضل بن شاذان، وأنّ ابن بزيع كان من مشايخ الفضل بن شاذان، كما ذكره أبو عمرو الكشّي، حيث قال: إنّ الفضل بن شاذان رحمه الله كان يروي عن جماعة؛ وعدّ منهم محمّد بن إسماعيل بن بزيع. ۶
الخامس: أنّ الفاضل المتبحّر أبا منصور الحسن، ]ابن [شيخنا الشهيد الثاني، ذكر فى كتابه منتقى الجمان فى الأحاديث الصحاح والحسان، أنّ وفاة محمّد بن إسماعيل بن بزيع كانت فى زمان أبي جعفر الثاني عليه السلام ، ۷ قال شيخنا العلّامة البهائي فى مشرق الشمسين: قد اشتهر على الألسنة. ۸
السادس: أنّا استقرأنا جميع أحاديث الكليني المرويّة عن محمّد بن إسماعيل، فوجدنا كلّما قيّده بابن بزيع، فإنّما يذكره فى أواسط السند، ويروي عنه بواسطتين هكذا:
محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع.
وأمّا محمّد بن إسماعيل الذي يذكره فى أوائل السند، فلم نظفر بعد الاستقراء الكامل والتتبّع الكثير بِقيْده مرّةً من المرّات بابن بزيع أصلاً، ويبعد أن يكون هذا من الاتّفاقات المطّردة.
السابع: أنّ ابن بزيع من أصحاب الأئمّة الثلاثة، أعني الكاظم والرضا والجواد عليهم السلام ، وقد سمع منهم عليهم السلام أحاديث متكثّرة بالمشافهة، فلو لقيه الكليني، لكان ينقل عنه شيئا من تلك الأحاديث التي نقلها عنهم عليهم السلام بغير واسطة، ليكون الواسطة بينه وبين كلّ من الأئمّة الثلاثة عليهم السلام ، واحدا؛ فإنّ قلّة الوسائط شى ء مطلوب، وشدّة اهتمام المحدّثين بعلوّ الإسناد أمر معلوم.
ومحمّد بن إسماعيل الذي يذكره فى السند، ليس له رواية عن أحد المعصومين عليهم السلام بدون واسطة أصلاً، بل جميع رواياته عنهم عليهم السلام إنّما هي بوسائط عديدة.

1.هو المقدّس الأردبيلي الفقيه المولى أحمد الغروي (المتوفّى ۹۹۳ق).

2.هو المحقّق العلّامة المولى نجم الدين عبداللّه بن شهاب الدين حسين الشاه آبادي اليزدي، (المتوفّى ۹۸۱ق)، صاحب الحاشية المشهورة على (تهذيب المنطق)، لاحظ بلغة المحدّثين للمؤلّف (ص۴۰۴)؛ وسماء المقال، ج ۱، ص ۱۷۳.

3.رجال ابن داود، ص ۵۵۵.

4.رجال النجاشي، ص ۲۵۴.

5.خلاصة الأقوال، ص ۱۳۹.

6.رجال الكشي، ص ۵۴۳.

7.منتقى الجمان، ج۱، ص ۴۰.

8.مشرق الشمسين، ص ۶۸.

صفحه از 558