رسالة فى تعيين محمّد بن إسماعيل الواقع فى بداية اسانيد الكلينى - صفحه 552

خاتمة:

قد ظهر ممّا قدّمناه أنّ الظاهر كون محمّد بن إسماعيل المذكور هو البندقي النيشابوري، وهو غير مذكور فى كتب الرجال بجرح ولا مدح، فالنظر إلى الظاهر يقتضي الحكم بضعف الأحاديث المشتملة طرقها، وهو مذهب بعض أصحابنا المتأخّرين، وأكثرهم على اعتبارها والتعويل عليها، ثمّ اختلفوا:
فمنهم من يصفها بالحسن وهو مذهب الفاضل المتبحّر الشيخ حسن بن الشهيد الثاني قدّس سرّه فى المنتقى، قال (عطّر اللّه مرقده): ويقوى فى خاطري إدخال الحديث المشتمل عليه فى قسم الحسن، انتهى.
وقد أشار إلى وجه ذلك فى ما سبق على عبارته هذه، حيث قال: ولعلّ إكثار الكليني من الرواية عنه شهادة بحسن حاله، كما نبّهنا عليه فى الفائدة الثامنة، مضافا إلى نقاوة حديثه، انتهى. ۱
وأيّده ولده الفاضل المتبحّر، الشيخ محمّد بن حسن، بما عُلم من عادتهم من التحرّز عن الرواية عن الضعفاء، بل بالغ(عطّر اللّه مرقده) فى شرح الاستبصار، فقال: إنّ الرواية عن الرجل فى بعض الأحيان لا تقصر عن ذلك، لما يظهر من النجاشي فى ترجمة أحمد بن محمّد بن عيّاش، حيث قال: سمعت منه شيئا كثيرا، ورأيتُ شيوخنا يضعّفونه فلم أرو عنه شيئا، وتجنّبته. ۲
وفى ترجمة أحمد بن محمّد بن خالد البرقي قال: إنّه ثقة فى نفسه يروي عن الضعفاء واعتمد المراسيل ۳ أنّه نوع قدح بقرينة اعتماد المراسيل.
ثمّ قال بعد كلام طويناه: إنّ رواية الثقة عن الضعفاء نادرة، فإذا وقع ذكروه؛ ومثل الثقة الجليل محمّد بن يعقوب لو كان يروي عن الضعفاء لذكر.
ثمّ قال: فإن قلت: لا ريب فى روايته عن الضعفاء فى كتابه، لكنّ الاعتماد على القرائن المصحّحة للخبر، فلا يضرّ ضعف الرجل، وحينئذ لا يدلّ ما ذكرت على جلالة شأن محمّد بن إسماعيل.
قلت: لما ذكرت وجهٌ، إلّا أنّ الرواية عن الضعفاء فى ترجمة محمّد بن خالد يقتضي مخالفة قاعدة إن عمل بالخبر، وإن كان مجرّد الرواية عن الضعفاء من دون عمل بالخبر فلا يضرّ بحال الشخص، وظاهر الحال أنّه نوع خدش.
ثمّ أطال الكلام فى ذلك فمن أراد الوقوف عليه فليرجع إليه.
وأكثرهم يصفه بالصحّة، واختلفوا فى مأخذ ذلك على أنحاء:
الأوّل: أنّه من مشايخ الإجازة، والواسطة بين محمّد بن يعقوب والفضل بن شاذان.
ومشايخ الإجازة ينبغي أن لا يُرتاب فى جلالتهم وعدالتهم.
وهذه الطريقة لجمع كثير من المتأخرين وجمّ غفير من المحقّقين، واختارها المعاصر النحرير(أدام اللّه فوائده) فى وجيزته فى الرجال. ۴
وقد نصّ الشهيد الثاني قدّس سرّه فى شرح البداية فى علم الدراية، على أنّ مشايخ الإجازة ومن يحذو حذوهم من مشايخنا السابقين وقدمائنا السالفين لا يحتاجون إلى التنصيص على تزكيتهم ولا التنبيه على عدالتهم.
قال قدّس سرّه: تُعرف العدالة المعتبرة فى الراوي بتنصيص عدلين عليها، وبالاستفاضة بأن تشتهر عدالته بين أهل النقل وغيرهم من أهل العلم، كمشايخنا السالفين من عهد الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني وما بعده إلى زماننا هذا، لا يحتاج أحد من هؤلاء المشايخ المشهورين إلى تنصيص على تزكية، ولا تنبيه على عدالة، لما اشتهر فى كلّ عصر من ثقتهم وضبطهم وورعهم، زيادة على العدالة.
وإنّما يتوقّف على التزكية غير هؤلاء من الرواة الذين لم يشتهروا بذلك، ككثير ممّن سبق على هؤلاء. ۵
هذا كلامه (أعلى اللّه مقامه) وهو جيّد متين، لكن فى كون «محمّد بن إسماعيل» من هذا القبيل نظر.
الثاني: أنّ أصحابنا(عطّر اللّه مراقدهم) حكموا بصحّة الحديث المذكور، ولم يتردّدوا فيه، وهذا القدر كافٍ فى تصحيحه والاعتماد عليه.
واختار هذا الطريق بعض المحقّقين.
ومن هنا يظهر وجه النظر فى كلام شيخنا البهائي قدّس سرّه الذي أشرنا إليه فى ما سبق.
الثالث: أنّ إكثار ثقة الإسلام فى الكافى الرواية عنه، حتّى روى عنه فى الكتاب المذكور ما يزيد على خمسمائة حديث، مع أنّه ذكر فى ديباجته: إنّه لا يذكر فيه إلّا الأحاديث الصحيحة عن الصادقين عليهماالسلام يدلّ على وثاقته قطعا.
وفيه تأمّل، نعم اللازم صحّة الحديث وهو كاف.
الرابع: الظاهر أنّ كُتُب الفضل بن شاذان رحمه الله كانت موجودة بعينها فى زمن الكليني رحمه الله، وأنّ محمّد بن إسماعيل هذا إنّما ذُكر لمجرّد اتّصال السند، فلا يبعد الحكم بصحّة رواياته.
وهذا الوجه للسيّد السند والعلّامة الأوحد السيّد محمّد صاحب المدارك فى شرح الشرائع.
وفيه تأمّل تقدّم وجهه، ويمكن دفعه بالعناية، فليتأمّل.

1.منتقى الجمان، ج۱، ص ۴۱.

2.رجال النجاشي، ص ۶۷.

3.رجال النجاشي، ص ۶۷ .

4.الوجيزة للمجلسي، ص ۲۹۳.

5.شرح البداية، ص ۷۲.

صفحه از 558