علم الأئمة فى الكافى - صفحه 14

أمّا اتّهام الرواة لهذه الأحاديث بالارتفاع والغلوّ ، ومحاسبة المؤلّف الكليني على إيرادها ؛ لأنّها تحتوي على ثبوت علم الغيب للأئمّة عليهم السلام ، فهذا مبنيٌ على الجهل بأبسط المصطلحات المتداولة بين العلماء ، فالغلوّ اسمٌ يطلق على نسبة الربوبيّة إلى البشر ـ والعياذُ باللّه ـ بينما هذا الباب معنونٌ بـ « أنّ الأئمّة يعلمون متى يموتون . . . » ، فعنوان الباب يتحدّث عن « موت الأئمّة » ، وهذا يناقض القول بـ « الغلوّ » وينفيه .
فجميع رواة هذا الباب ، يبتعدون ـ بروايتهم له ـ عن الغلوّ المصطلح ، قطعا ، فكيف يتّهمهم بالغلوّ ؟ !
هذا ، والكلينيُّ نفسه ممّن ألّف كتابا في الردّ على « القرامطة » ، وهم فرقة تُنسب إلى الغلاة ۱ ممّا يدلّ على استيعاب الكليني وتخصّصه في أمر الفِرَق ، فكيف يحاسب بمثل ذلك ؟ !
ثمّ إنّ قول الكليني في عنوان الباب : « وأنّهم لا يموتون إلّا باختيارٍ منهم » ، يعني أنّ الموت الإلهي الّذي قهرَ اللّهُ بهِ عباده وما سواه ، بدون استثناء ، وتفرّد هو بالبقاء دونهم ، لا بدّ أن يشمل الأئمّة ـ لا محالة ـ ولا مفرّ لهم منه ، وإنّما امتازوا بين سائر الخلائق بأن جعل اللّهُ اختيارهم لموتهم إليهم ، وهذا يوحي :
أوّلاً : إنّ لهم اختيار وقت الموت ، فيختارون الآجال المعلّقة قبل أن تُحتم ، فيكون ذلك بإرادة منهم واختيار وعلم ، رغبةً منهم في سرعة لقاء اللّه ، وتحقيقا للآثار العظيمة المترتّبة على شهادتهم في ذلك الوقت المختار . وهذا أنسبُ بكون إقداماتهم مع كامل اختيارهم ، وعدم كونها مفروضة عليهم ، وأنسب بكون ذلك مطابقا لقضاء اللّه وقدره ، فهو يعني إرادة اللّه منهم لِما أقدموا عليه ، من دون حتم ، وإلّا ، فإنْ كان قضاءا مبرَما وأجلاً حتْما لازما ، فكيف يكونون مختارين فيه ؟ ! وما معنى موافقتهم على ما ليس لهم الخروج عنه إلى غيره ؟ !

1.. الرجال للنجاشي ، ص ۲۶۷ ؛ الفهرست للطوسي ، ص ۱۶۱ ؛ معالم العلماء لابن شهر آشوب ، ص ۸۸ ؛ جامع الرواة ، ج ۲ ص ۲۱۹ ؛ لؤلؤة البحرين للبحراني ، ص ۳۹۳ ؛ هديّة العارفين للبغدادي ، مج۲ ، ج۶، ص ۳۵ ؛ الأعلام ، ج ۸ ، ص ۱۷ ؛ الفوائد الرجالية ، ج ۳، ص ۳۳۲ ؛ أعيان الشيعة ، ج ۴۷، ص ۱۵۳ ؛ ولاحظ كتاب الشيخ الكليني البغدادي للسيّد العميدي : ص ۱۱۵ .

صفحه از 18