علم الأئمة فى الكافى - صفحه 15

ثانيا : إنّ لهم اختيار نوع الموت الّذي يموتون به ، من القتل بالسيف ضربةً واحدةً ، كما اختار الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ذلك ، أو بشرب السُمّ أو أكل المسموم كما اختاره أكثر الأئمّة عليهم السلام ، أو بتقطيع الأوصال وفري الأوداج واحتمال النصال والسهام وآلام الحرب والنضال ، وتحمّل العطش والظمأ ، كما جرى على الإمام سيّد الشهداء عليه السلام . ولايأبى عموم لفظ العنوان « لا يموتون إلّا باختيارٍ منهم » عن الحمل على ذلك كلّه .
مع أنّ في المعنى الثاني بُعدا اجتماعيا هامّا ، وهو : أنّ الأئمّة الأطهار عليهم السلام كانوا يعلمون من خلال الظروف ، والأحداث ، والمؤشّرات والمجريات ، المحيطة بهم ـ بلا حاجة إلى الاعتماد على الغيب وإخباره ـ أنّ الخلفاء الظلمة ، والمتغلّبين الجهلة على حكم العباد والبلاد ، سيقدمون على إزهاق أرواحهم المقدّسة بكلّ وسيلة تمكّنهم ؛ لأنّهم لا يطيقون تحمّل وجود الأئمّة عليهم السلام الرافضين للحكومات الجائرة والفاسدة ، والّتي تحكم وتتحكّم على الرقاب بالباطل وباسم الإسلام ، ليشوّهوا سمعته الناصعة بتصرّفاتهم الشوهاء .
فكان الأئمّة الأطهار تجسيدا للمعارضة الحقّة الحيّة ، ولو كانوا في حالة من السكوت ، وعدم مدّ اليد إلى الأسلحة الحديديّة ، لكنّ وجوداتهم الشريفة كانت قنابل قابلة للانفجار في أيّ وقت ! وتعاليمهم كانت تمثّل الصرخات المدوّية على أهل الباطل ، ودروسهم وسيرتهم كانت تمثّل الشرارات ضدّ تلك الحكومات ! فكيف تطيق الأنظمة الفاسدة وجود هؤلاء الأئمّة ، لحظة واحدة ؟ !
فإذا كان الأئمّة عليهم السلام يعلمون أنّ مصيرهم ـ مع هؤلاء ـ هو الموت ، ويعرفون أنّ الظلمة يكيدون لهم المكائد ، ويتربّصون بهم الدوائر ، ويدبّرون لقتلهم والتخلّص من وجودهم ، ويسعون في أن ينفّذوا جرائمهم في السرّ والخفاء ، لئلّا يتحمّلوا مسؤولية ذلك ، ولا يحاسَبوا عليه أمامَ الناس والتاريخ ! فلو تمّ لهم إبادة هؤلاء الأئمّة سرّا وبالطريقة الّتي يرغبون فيها ، لكان أنفع لهم ، وأنجع لأغراضهم ! لكنّ الأئمّة عليهم السلام لا بدّ أن يُحبِطوا هذه المكيدة على الظلمة القتلة .
فعند ذلك عليهم أن يأخذوا بأيديهم زمام المبادرة في هذا المجال المهمّ الخطر ، ويختاروا بأنفسهم أفضل أشكال الموت الّذي يُعلن مظلوميتهم ، ويصرخ بظُلاماتهم ،

صفحه از 18