علم الأئمة فى الكافى - صفحه 16

ويفضح قاتليهم ، ويُعلن عن الإجرام والكيد الّذي جرى عليهم ، ولا تضيع هدرا نفوسهم البريئة ، ولا دماؤهم الطاهرة .
فلو كان الإمام أميرُ المؤمنين عليّ عليه السلام يُقتل في بيته ، أو في بعض الأزقّة والطرق ، خارج المسجد ، فمن كان يفنّد الدعايات الكاذبة الّتي بثّها بنو أُميّة بين أهل الشام بأنّ عليّا عليه السلام لا يصلّي ؟ ! فلمّا سمعوا أنّه قُتل في المسجد ، تنبّهوا إلى زيف تلك الدعايات المضلّلة .
وإذا كان الإمام الحسين عليه السلام يُقتل في المدينة ، فمن كان يطّلع على قضيّته ؟ ! وحتّى إذا كان يُقتل في « مكّة » ، فمضافا إلى أنّه كان يُعاب عليه أنّ حرمة الحرم قد هُتكت بقتله ! فقد كان يضيع دمه بين صخب الحجيج وضجيجهم ! بل إذا قُتل الحسين عليه السلام في أرض غير كربلاء ، فأين ؟ ! وكيف ؟ ! وما هو : تفسير كلّ النصوص الّتي تناقلتها الصحف ، والأخبار عن جدّه النبي المختار صلى الله عليه و آله وسلم حول الفرات وكربلاء وتربتها الحمراء ؟ !
وهذا الاختيار يدلّ ـ مضافا إلى كلّ المعاني العرفانيّة الّتي نستعرضها ـ على : تدبيرٍ حكيمٍ ، وحنكةٍ سياسيّةٍ ، ورؤيةٍ نافذةٍ ، وحزمٍ محكمٍ ، قام به الأئمّة عليهم السلام في حياتهم السياسيّة تجاه الظالمين المستحوذين على جميع المقدّرات ، والّذين سلبوا من الأُمّة كلّ الحرّيات حتّى حريّة انتخاب الموت كمّا وكيفا ووقتا ومكانا .
فإنّ خروج الأئمّة عليهم السلام بتدابيرهم الحكيمة عن سلطة الحكّام في هذه المعركة ، وتجاوزهم لإرادتهم وأخذ زمام الاختيار بأيديهم ، وانتخابهم للطريقة المثلى لموتهم ، يُعدّ انتصارا باهرا ، في تلك الظروف الحرجة القاهرة .
ولقد قلتُ ـ عن مثل هذا ـ في كتابي الحسين عليه السلام سماته وسيرته ما نصّه : « وهل المحافظةُ على النفس ، والرغبة في عدم إراقة الدماء ، والخوف من القتل ، أُمور تمنع من أداء الواجب ، أو تعرقل مسيرة المسؤوليّة الكبرى ، وهي : المحافظة على الإسلام وحرماته ، وإتمام الحجّة على الأُمّة بعد دعواتها المتتالية ، واستنجادها المتتابع ؟ !
ثمّ هل تُعقل المحافظة على النفس ، بعد قطع تلك المراحل النضالية ، والّتي كان أقلّ نتائجها المنظورة : القتل ؟ ! إذ أنّ يزيد صمّم وعزم على الفتك بالإمام عليه السلام الّذي كان

صفحه از 18