الشواهد الشعريّة ومناسباتها فى الكتب الأربعة الحديثية - صفحه 317

الاستشهاد بالقرآن والحديث

أجمع علماء اللغة والنحو على اتّخاذ القرآن الكريم على رأس مراجع الاحتجاج فى جميع علوم اللغة، لإثبات صحّة لفظ أو تركيب أو معنىً من المعانى ۱ وذلك باعتباره قمّة البلاغة والفصاحة فى اللغة العربية، وأعلى مراحل البيان العربى الذى أعجز العرب عن أن يأتوا بمثله، فقد سفّه أحلامهم، وسخر منهم، وتحدّاهم فى عقر دارهم وهم أهل الفصاحة والبيان حين وصفهم بالعجز عن الإتيان بسورةٍ واحدة من مثله، ووصف الإنس والجنّ بالعجز عن الإتيان بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيرا.
أمّا الحديث النبوى الشريف، فمن المسلّم به أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان أفصح من نطق بالضاد، فهو القائل: «أنا من قريش، بيد أنّى أفصح العرب...» ۲ ولم يكن صلى الله عليه و آله يتكلّم إلا بأفصح اللغات وأحسن التراكيب وأشهرها وأجزلها، وعلى ذلك إجماع المسلمين منذ فجر الرسالة إلى يومنا هذا، ورغم ذلك فقد وقع الاختلاف بين اللغويين والنحويين فى صحّة الاحتجاج بالحديث، فاللغويون لا يوجد بينهم من منع الاستشهاد بالحديث لأجل الاستدلال على معانى اللغة، ومصادر فقه اللغة والمعاجم اللغوية زاخرة بالأحاديث والأخبار، أمّا النحاة فقد اختلفوا فى ذلك بين مانعٍ ومجوّزٍ وآخر متوسّط بينهما.

1. المانعون من الاستشهاد بالحديث

ذكر أبو حيّان فى (شرح التسهيل) أنّ الواضعين الأولين لعلم النحو، المستقرئين للأحكام من لسان العرب كأبى عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر والخليل وسيبويه من أئمّة البصريين، والكسائى والفرّاء وعلى بن المبارك الأحمر وهشام الضرير من أئمّة الكوفين، لم يستدلّوا بما وقع فى الأحاديث على إثبات القواعد الكليّة فى لسان العرب، وكذا غيرهم من نحاة الأقاليم كنحاة بغداد وأهل الأندلس. ۳
على أنّه لم يرد تصريح من النحاة المذكورين فى هذا الأمر، لكن بعض المتشدّدين

1.راجع: المعجم المفصلّ، ميشال عاصى وإميل بديع، ج ۱، ص ۴۸.

2.الشفا القاضى عياض، ج ۱، ص ۱۷۸؛ الفائق الزمخشرى بيد، ج ۱، ص ۱۲۶.

3.خزانة الأدب البغدادى، ج ۱، ص ۱۰.

صفحه از 416